العدد 1339 / 28-11-2018

تصادف، يوم السبت 24 تشرين الثاني، الذكرى السنوية الأولى لوقوع مجزرة مسجد الروضة بمحافظة شمال سيناء المصرية، التي راح ضحيتها 305 قتلى من المصريين، بينهم 27 طفلاً وأُصيب أكثر من 120 آخرين، بينما لا يزال المسؤولون عن هذه الجريمة الكبرى في تاريخ مصر "مجهولين".

وأدت المخاوف الأمنية من حدوث أي اعتداءات جديدة إلى غياب احتفالات "الطريقة الجريرية الصوفية"، في شمال سيناء بالمولد النبوي، بكافة زواياها الموجودة بمناطق الروضة في بئر العبد وحي آل جرير في العريش وقرية الجورة بالشيخ زويد، بالإضافة إلى إغلاق "زاوية الطريقة الجريرية" التي ينتمي إليها معظم سكان قرية الروضة التابعة لمركز بئر العبد في شمال سيناء.

وعلى الرغم من مرور عام كامل على وقوع المجزرة وبدء الجيش المصري عملية عسكرية واسعة النطاق إلا أن أي طرف في سيناء لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم، فيما لم يتمكن الجيش من الوصول إلى المهاجمين. وأشارت أصابع الاتهام إلى تنظيم "ولاية سيناء" بالمسؤولية عن الاعتداء، بصفته معادياً رئيسياً للطريقة الصوفية، وسبق له أن قتل عدداً من رموزها قبل وقوع المجزرة، كما لاحق كل من يعتنق هذه الطريقة في سيناء.

بالإضافة إلى ذلك، ظهرت بعض الأصوات التي اعتبرت أن ثمة جهة أخرى قد تكون مدعومة من النظام المصري بصورة أو بأخرى تقف وراء الهجوم. وبغض النظر عن كل هذه التخمينات، تبقى علامات الاستفهام حول عدم قدرة الدولة المصرية بأجهزتها الأمنية والعسكرية على تحديد الأشخاص أو الجهة التي تقف وراء المجزرة خلال كل هذه المدة، رغم سيطرة الجيش على معظم أراضي سيناء، واعتقاله مئات المشتبه بهم على مدار العام الماضي.

وفي الذكرى الأولى، أقيمت صلاة الجمعة في مسجد الروضة، بحضور حكومي رفيع المستوى، لكن أهالي القرية وسيناء عموماً، كانوا ينتظرون أكثر من ذلك عبر إلقاء القبض على قتلة أبنائهم أو استهدافهم. وهذا ما كانوا يأملون أن يتحقق عبر العملية العسكرية الشاملة، التي ما زالت مستمرة منذ 9 شباط الماضي، والتي جاءت رداً عسكرياً على ما حصل في مسجد الروضة، إلا أن ذلك لم يحدث.

وتعقيباً على ذلك، قال أحمد حسين، أحد سكان قرية الروضة إن "المواطنين في القرية ما زالوا ينتظرون خبراً يشفي صدورهم بالإعلان عن إلقاء القبض على المهاجمين، أو استهداف حقيقي للمسؤولين عن الجهة المهاجمة. إلا أنه بعد مرور سنة، بدأ يتلاشى الأمل بإمكانية الوصول إلى هذه المرحلة، خصوصاً بعد قرب انتهاء العملية العسكرية الشاملة التي بدأت منذ تسعة أشهر تقريباً". وأضاف أن "الحكومة حاولت إسكات أهالي الضحايا بالدعم المادي، إلا أن ذلك لم ينسِ الأهالي دماء أبنائهم الذين راحوا ضحية فشل أمني في حماية القرية، أو المسجد، أو حتى ملاحقة المهاجمين".

وأشار حسين، الذي فقد سبعة من أبناء عائلته في الهجوم، إلى أن "بعض الأزمات ما زالت تلاحق أهالي قرية الروضة رغم تعهدات الدولة المصرية بحل كل ما يعترض حياة من تبقى في القرية، فيما تغلب عدد كبير من المواطنين في الحصول على المساعدات النقدية التي صرفت لهم على مدار العام الماضي". وقال إن "الدولة لن تتذكرنا إلا عند مرور ذكرى المجزرة كل سنة، وسنبقى لوحدنا بقية السنة، نفكر مجدداً بما جرى لنا في القرية"، بالإشارة إلى أن الدولة المصرية استخدمت ما جرى في مسجد الروضة للترويج دولياً في ملف محاربة الإرهاب، وما زالت تفعل ذلك على الصعيدَين الإعلامي والسياسي، من دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع بما يعيد الحق لأصحابه في القرية.

وشهدت القرية على مدار الأيام الماضية سلسلة من الإجراءات والتغييرات الميدانية، التي مهّدت لمجيء وفد حكومي في ذكرى المجزرة، أدى أعضاؤه صلاة الجمعة في المسجد الذي تعرض للهجوم، بحضور وزيري الأوقاف والشباب وشيخ الأزهر، بالإضافة إلى عدد كبير من المسؤولين الحكوميين. ورافق ذلك تدابير أمنية مشدّدة في القرية ومحيطها، وعلى الطريق الدولي بأكمله، خوفاً من أي هجمات قد يقدم عليها تنظيم "ولاية سيناء"، في ظل التغطية الإعلامية الكبيرة للزيارة الحكومية، التي شهدت افتتاح عدد من المشاريع التي تم الإعلان عنها عقب المجزرة العام الماضي، من قبل جهات حكومية وأهلية عدة في مصر.

ويسود اعتقاد لدى البعض بأن الدولة المصرية تحاول إسكات أهالي القرية عن المطالبة بدماء أبنائهم، بإجراء بعض أعمال التصليح للمنازل، وتحسين شبكات الكهرباء والمياه. مع العلم أن بعض هذه المشاريع جرى تنفيذها أخيراً بدعم من مؤسسات أهلية وخاصة، ومن الصناديق الخاصة بالأزهر، فيما تكفلت الدولة ببعض المشاريع للقرية ومركز مدينة بئر العبد بالكامل. لكن أهالي القرية يقولون إنهم "لا يشعرون بهذه التغيرات الطارئة، في ظل بحثهم عن الذين قتلوا أبناءهم في المسجد".

وبالعودة إلى تفاصيل المجزرة، فإنها وقعت في مسجد بلدة الروضة التي تبعد عن العريش نحو 50 كيلومتراً، بمحافظة شمال سيناء، حين هاجمت مجموعة من المسلحين المسجد أثناء قيام حوالي 400 مصلٍ بأداء صلاة الجمعة، فانفجرت في البداية عبوتان ناسفتان داخل المسجد، ثم استُهدف المصلون بقذائف صاروخية من نوع "آر بي جي"، فيما قام المهاجمون باستهداف المصلين مجدداً خلال محاولتهم الهروب من المسجد، لكن هذه المرة باستعمال رشاشات وبنادق آلية من أعيرة مختلفة.