خورشيد دلي

على الرغم من اختلاف المواقف والسياسات، وجدت المصالحة التركية – الإسرائيلية طريقها إلى الإنجاز، بعد أن توترت العلاقات بين الجانبين، على خلفية الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة التي أرسلتها تركيا لكسر الحصار عن غزة، وقتل عشرة ناشطين أتراك كانوا على متنها في أيار عام 2010، وفي الحديث عن هذه المصالحة، لا بدّ من التوقف عند أمرين أساسيين. 
الأول: السعي الأميركي الدائم إلى تحقيق هذه المصالحة بين الحليفين المهمّين للإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، من أجل الاستفادة من التعاون بينهما في كيفية التعامل مع التطورات الجارية في المنطقة. 
الثاني: الرغبة التركية – الإسرائيلية المتبادلة في تحقيق المصالحة، انطلاقاً من أهمية كل طرف للآخر في منظومة العلاقات الإقليمية في المنطقة، ولتاريخ العلاقة الجيدة بين الجانبين، حيث كانت تركيا أول دولةٍ إسلامية تعترف بدولة إسرائيل عام 1949. وعليه، ثمة دوافع كثيرة تدفع الجانبين إلى هذه المصالحة. بالنسبة إلى تركيا، ربما التوقيت مهم، بعد أن وصلت علاقاتها مع الخارج إلى ما يشبه أزمة، فعلاقاتها مع معظم دول الجوار الجغرافي متوترة، وتكاد أحياناً تقترب من الصدام مع بعضها، كما أنها مع الغرب، بشقيه الأوروبي والأميركي، ليست على ما يرام، إذ إن السمة العامة لها باتت غياب الثقة والاتهامات المتبادلة بلهجةٍ عالية. وعليه، تبدو إسرائيل كأنها نقطة إقليمية جاذبة لهذه العلاقة، نظراً لأن إعادة الدفء إلى هذه العلاقة ستقوي موقف أنقرة تجاه موسكو وطهران والقاهرة والأزمة السورية، فضلاً عن أن إسرائيل كانت، على الدوام، محدّداً أساسياً للعلاقة مع الولايات المتحدة، لكن هذه الأسباب ليست وحدها التي تقف وراء الرغبة التركية في المصالحة مع إسرائيل، انما ثمّة تطلعات تتعلق بصلب الأمن القومي لتركيا ودورها الإقليمي، ولعل في مقدمة هذه التطلعات الاستفادة من هذه العلاقة في كيفية التعاطي مع الصعود الكردي في المنطقة، خصوصاً بعد أن أعلنت إسرائيل مراراً دعمها لإقامة دولة كردية، وكذلك ضمان دور تركي رسمي تجاه قطاع غزة، وهو دور يدعم موقفها في الخلاف الجاري مع مصر عبد الفتاح السيسي. واقتصادياً تتطلع تركيا بقوة إلى تثبيت خطوط نقل الغاز من البحر الأبيض المتوسط عبر أراضيها، بعد أن أصبحت إسرائيل لاعباً أساسياً في التحكم بغاز البحر الأبيض المتوسط.
في المقابل، تجد إسرائيل في التعاون الأمني مع تركيا حاجة إقليمية لها، خصوصاً في ظل رغبتها ببيع الأسلحة والمعدات العسكرية لها، كما أن العلاقة بين تركيا وحركة حماس هي في صلب استراتيجيتها، سواء في كيفية التعامل مع الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب في غزة، من زاوية كيفية محاربة ما تطلق عليه التنظيمات المشددة، أو السعي، عبر هذه العلاقة إلى ممارسة مزيد من الضغط على حركة حماس ومحاصرتها، وإغلاق الأبواب أمامها، كما يبقى، في صلب حركتها، تثبيت تصدير نفط المتوسط عبر تركيا، نظراً إلى وجود بنية تحتية جاهزة وقرب جغرافي يمكّن بسهولة من تصدير الغاز إلى أوروبا، ولعل هذه التطلعات المتبادلة تذكّرنا بقول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده بحاجة إلى إسرائيل، مثلما هي بحاجة إلى تركيا.