العدد 1693 /10-12-2025

محمد شيخ يوسف

أعادت كل من تركيا ودول من الاتحاد الأوروبي الحديث مجدداً عن عضوية أنقرة في الاتحاد، وهو الملف المجمّد منذ سنوات بسبب خلافات عديدة تتمحور حول ملفات داخلية تركية وأخرى إقليمية ودولية. ورغم الحديث الإيجابي من الطرفين عن ضرورة كل جهة بالنسبة للطرف الآخر، إلا أن الواقع لا يزال يشير إلى جمود في الملفات العالقة بدون تقدم، وأهمها مبادئ حقوق الإنسان والحريات. ولا تزال أوروبا قلقة مما تقول إنها تجاوزات في هذه القضايا.

ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ليس حديثاً ويعود إلى عقود من الزمن. ورغم انضمام تركيا في العام 1987 إلى منظومة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، وتقدمها بطلب الانضمام للاتحاد الأوروبي، إلا أنه لم يتم هذا الانضمام، حيث إن تركيا كانت من مؤسسي منظومة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية منذ العام 1949، ولكنها تدرجت بوصفها شريكة في العام 1963 وصولاً لطلب العضوية. وفي العام 1995 وقّعت اتفاقية تعاون جمركي بين الطرفين، وباتت مرشحة رسمياً في العام 1999، وانطلقت المفاوضات في 2005 بعد تولي الرئيس رجب طيب أردوغان منصب رئيس الحكومة. وتقدمت المفاوضات في 35 فصلاً، وجرى توقيع اتفاقية حول إعادة اللاجئين في 2016، وهو العام الذي شهد بداية الانقطاع بين الطرفين. ففي 2017 انتقد الاتحاد الأوروبي استفتاء تحويل النظام السياسي في البلاد من النظام البرلماني إلى الجمهوري على اعتبار أنه يتعارض مع مبادئ كوبنهاغن، وهي الشروط الأساسية لدخول الدول إلى الاتحاد الأوروبي وضعت عام 1992. وتتطلب عضوية الدول المرشحة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي أن تحقق تلك الدول استقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، واحترام حقوق الأقليات وحمايتها، وشروطاً غيرها.

تجميد مفاوضات عضوية تركيا

وعقب موجة الاعتقالات والتوقيفات والطرد من الوظائف لجماعة "الخدمة"، واتهامها بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة في العام 2016، واعتقالات طاولت رجال أعمال وسياسيين، طلب البرلمان الأوروبي في 2019 تجميد مفاوضات العضوية لتتوقف بالفعل، وتصدر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرارات بالإفراج عن معتقلين سياسيين لم تلقِ أنقرة لها بالاً، ما عمّق الأزمة ليتم تجميد المفاوضات. وإن كانت الأسباب تتعلق بتركيا داخلياً، إلا أن ثمة أسباباً أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية، منها الصراع على شرق المتوسط مع اليونان، واستعصاء الحل في جزيرة قبرص، والملف السوري والتطورات في ليبيا، كلها عوامل ساعدت على تجميد هذا المسار.

ومع تطورات الحرب الأوكرانية، وعدم التوصل إلى اتفاقات لوقفها وتأسيس وقف إطلاق النار، واستمرار المواجهات في ظل مخاطر بتوسعها، باتت أوروبا تخشى تمدد الحرب، ولهذا عملت على تحديث الأمن الأوروبي وتعزيزه، ورأت في تركيا ضالتها، خاصة في ظل تقدم صناعاتها الدفاعية، ومطابقتها للمعايير التي تتطلبها دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما يسهل دمجها في المنظومة الأوروبية، وبنفس الوقت تطوير الصناعات العسكرية، إذ إن تباين المواقف الأميركية من أوروبا تجعلها تكثف من الاعتماد على ذاتها.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريح في 1 ديسمبر/كانون الأول الحالي عقب اجتماع الحكومة بأنقرة: "ناقشنا القضايا الراهنة في علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي والسياسة الخارجية، حيث تظل العضوية الكاملة في الاتحاد أولويتنا الاستراتيجية". وكان أفاد أيضاً في لقائه مع المستشار الألماني فريدريش ميرز في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "ناقشنا علاقاتنا الثنائية وقضايانا الدولية انطلاقاً من مصالحنا المشتركة وبوصفنا حليفين في الناتو، كما أعربنا عن تطلعاتنا فيما يتعلق بعضويتنا الكاملة في الاتحاد الأوروبي، والتي نعتبرها هدفاً استراتيجياً. وإذا حظيت إرادة تركيا الحازمة في هذا الشأن بالتقدير الذي تستحقه داخل الاتحاد، سنتمكن من إحراز تقدم كبير في وقت قصير جداً. أعتقد أن الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ستتضح بشكل أفضل عند النظر في التطورات بمنطقتنا وحول العالم".

كما أطلق وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تصريحات مماثلة، حيث قال الأربعاء الماضي في بروكسل على هامش اجتماعات "ناتو"، إن "قدرة تركيا والاتحاد الأوروبي على الانخراط في تعاون نوعي أمر بالغ الأهمية لسياستنا الخارجية ولهم على حد سواء، أعتقد أن إحرازنا تقدماً في هذا المجال أمر بالغ الأهمية والقيمة". وكان قال في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في لقاء مع نظيره الألماني يوهان فاديفول بأنقرة: "كما تعلمون يجري حالياً تحديث الاتحاد الجمركي، وهناك حوار حول تحرير التأشيرات، حيث يواجه مواطنونا بعض الصعوبات والتغلب عليها هو أولويتنا، ومع ذلك تظل عضوية الاتحاد الأوروبي الهدف الاستراتيجي الحالي لتركيا. ومن المهم أيضاً للأمن الأوروبي أن تشارك تركيا في الجهود الجارية، حيث أظهرت قدرات كبيرة، لا سيما في قطاع الدفاع".

شرط تحقيق معايير كوبنهاغن

على الطرف الآخر كانت هناك تصريحات مماثلة مع الحديث أيضاً عن المتطلبات من تركيا، حيث أفاد المستشار الألماني، في لقائه مع أردوغان نرغب أن نرى تركيا في الاتحاد الأوروبي: "نرغب أن نرى تركيا في الاتحاد الأوروبي وطلبت أن يكون هناك حوار استراتيجي حول هذا الأمر، والشرط لذلك هو تحقيق معايير كوبنهاغن. ونرغب باستمرار ذلك وعودة بدء الحوار بأقرب وقت، ونأمل عقد الاجتماعات قريباً وسنتطرق لذلك". وأضاف: "الطريق لأوروبا يمر عبر معايير كوبنهاغن والقرارات في تركيا لا تطابق المعايير فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات. سيستمر الحوار، وهناك مطالب بتقارير للمفوضية الأوروبية حول ذلك، وتقييم كل الدول الأوروبية، ليس ألمانيا لوحدها، وسنواصل الحوار وأبلغت عن قلقنا بهذا الصدد، منها مثال استقلال القضاء. هناك مسائل لا تتوافق مع معاييرنا". وأضاف: "ندرك وجود خطوات واتفاقيات فيما يتعلق بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ورفع التأشيرات، وهناك أمور مطلوبة من تركيا، وأخرى مطلوبة من الجانب الأوروبي، ويجب ضمان سيادة القانون والحقوق والحريات في تركيا".

وفي 4 نوفمبر الماضي صرحت كايا كالاس، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بأن تركيا "شريك مهم" للاتحاد الأوروبي، وأن آفاق العضوية "متباينة"، في تصريح لها بشأن تقرير التوسع لعام 2025، الذي يتضمن التقييمات النهائية للدول المرشحة للانضمام من بينها تركيا. وأكدت أهمية تركيا، قائلة: "لا تزال تركيا شريكاً مهماً، ونعمل معها في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك". وأشارت إلى أن التجميد الفعلي لمفاوضات الانضمام نابع من تركيا، فيما تضمن التقرير الأوروبي تدهور الوضع العام لحقوق الإنسان في تركيا، مع الإعراب عن الاستياء من أداء أنقرة العام الماضي في جوانب جوهرية، حيث أبرزت فشل الحكومة في معالجة المخاوف الجدية بشأن استمرار تدهور المعايير الديمقراطية، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، واحترام الحقوق الأساسية، الأمر الذي رفضته أنقرة.

كل طرف يعمل على تحقيق مصالحه

وقالت مصادر دبلوماسية تركية، ، إن أنقرة تدرك وجود تباينات في المواقف حتى الآن بين الطرفين، ولكن المصالح تجعل من الضرورة اللقاء فيما بينهما، ولهذا يعمل كل طرف على تحقيق مصالحه، فتركيا لديها مشاريع ممولة من الاتحاد الأوروبي تتعلق باللاجئين، ولديها فرص في قطاع الصناعات الدفاعية لعمل صفقات بيع أسلحة، وبالمقابل تحتاج أوروبا تركيا في مسائل الأمن الدفاعي في ظل التحولات الإقليمية والدولية ومخاطر توسع الحروب، ولهذا فإن الحديث الإيجابي يتضمن تحقيق المصالح، دون أن تكون هناك مواعيد واضحة للقاءات بين الطرفين للعودة للمفاوضات.

من جهته، قيّم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة 18 مارس الحكومية أوفوك نجاة تاشجي، في حديث ، تطورات العلاقة بين الجانبين وآفاقها وكيفية تحقيق المصالح والتغلب على العقبات، وعن أسباب التقارب المفاجئ بالقول: "يعود سبب هذا الاهتمام إلى المعادلة العالمية الجديدة، حيث جعلت ديناميكيات ولاية (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب الثانية الاتحاد الأوروبي معتمداً على تركيا. وربما لأول مرة نرى حلفاء ترامب الأوروبيين، الذين تجنبوا تقديم أي وعود عسكرية أو سياسية لصالح التركيز على الصين، يتجهون إلى خيارات أكثر براغماتية، وهذه فترة أدركت فيها أوروبا، التي عالجت مخاوفها الأمنية تحت المظلة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في الاعتماد كليا على الولايات المتحدة". وأضاف: "الاتحاد الأوروبي فشل في ضمان تفوق أوكرانيا على روسيا في الحرب، ودخل في فترة من الركود عسكرياً واجتماعياً وسياسياً، وبالتالي تحتاج أوروبا إلى ما لا يقل عن 5-10 سنوات لتلبية احتياجاتها العسكرية والسياسية وإعادة تصميم بنيتها الأمنية. وأعتقد أن هذا الإطار الزمني الأكثر تفاؤلاً. ولذلك وعلى المدى القصير تحتاج أوروبا إلى حليف يتمتع بقدرات عسكرية وسياسية واجتماعية عالية لمواجهة روسيا، وفي هذا السياق علق آماله على تركيا، رغم أن العقلية داخل الاتحاد لم تتغير قط ضد تركيا من قبل بعض الدول".

من ناحيته، قال الباحث بالشؤون التركية بكير أتاجان،: "هناك تحرك في ملف العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي وحديث عن ملف الانضمام، وذلك لأن تركيا في الفترة الأخيرة محلياً ودولياً بات لديها مكانة هامة في إنتاج السياسات والصناعات الدفاعية واللعب بدور وسيط السلام في عدد من الملفات، ولها مكانة معتبرة حالياً، والاتحاد الأوروبي رأى في ذلك فائدة له". وتابع: "إضافة إلى التطور التركي في الجانب العسكري وامتلاكها جيشاً قوياً هو الثاني في حلف ناتو، فإنها في الصناعات الدفاعية من أول خمس دول بالعالم، وهو ما سيؤدي لتوفير أرضية قوية تستند إليها أوروبا في مواجهة روسيا أو القوى الكبرى مستقبلاً، سواء كانت أميركا أو الصين، حيث باتت بلا حماية". وأوضح أنه "رغم أن تركيا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، ففي النهاية هي بحاجة للاتحاد الأوروبي اقتصادياً، وبالتالي يحاول الطرفان تحويل المصالح إلى فرص للتعاون، وتحاول تركيا الاستفادة من التقارب عبر ملف الاتفاق الجمركي، ورفع التأشيرات ما يساهم اقتصادياً لصالح تركيا. بالنهاية لا أعتقد أن تركيا باتت تطالب بالعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، بل بتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وتستغل حاجة أوروبا الحالية لتحقيق هذه المكاسب، ولا أعتقد أن أوروبا ستقف أمام الملفات العالقة في حال أصبحت مصالحها حاجة ملحة".