العدد 1382 / 16-10-2019

بقلم : عادل راشد

تبلغ الحدود بين الجمهورية التركية والجمهورية العربية السورية 511 ميل أي 822 كلم تمتد من الجزيرة الفراتية حوالي 400 كلم وتمر عبر نهر الفرات وصولاً إلى نهر دجلة في أقصى الشرق.

على إثر الهجمات المتكررة لحزب العمال الكردستاني (وهو حزب يساري) الذي يتزعمه عبدالله اوجلان داخل الأراضي التركية وعلى المناطق الحدودية وقتل فيها الآلاف من الأتراك تم توقيع اتفاق أضنه (وهي مدينة تركية) عام 1998 تحت رعاية جامعة الدول العربية وينص الاتفاق على عدم دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني وإعطاء تركيا الحق في مطاردة ميليشيات الحزب داخل الأراضي السورية بعمق 5 كلم، وهذا الحزب مصنف منظمة إرهابية حتى من قبل الولايات المتحدة التي ظلت تدعمه بالمال والسلاح . ولا يخفى دور الكيان الصهيوني في دعمه كذلك وقد شاهد الكافة احتفالات الحزب وهم يرفعون علم إسرائيل بنجمة داوود بمشاركة شخصيات صهيونية.

وجدير بالذكر أن الذي احتضن عبدالله اوجلان هو النظام السوري، وعند انسحاب قوات النظام من بعض المناطق قام بتسليمها لميليشيات حزب العمال الكردستاني، وهذه الميليشيات تقع مرة في يد روسيا ومرة في يد أمريكا ومرة في يد إيران المهم أنها في جميع الأوضاع تُستخدم ضد تركيا.

والمناطق التي تحتلها هذه الميليشيات الكردية الانفصالية وتعمل تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هي مناطق عربية بشكل كامل وليست مناطق كردية أو يقطنها الأكراد: الرِّقة (93% عرب)، دير الزور (100% عرب)، الحسكة (80% عرب)، منبج (95% عرب)، تل أبيض (92% عرب)، تل رفعت (92% عرب)، وباقي المناطق خليط عرقي عرب-أكراد-تركمان-آشوريين-شركس.

والعجيب أن العربي السوري إذا كان من مدينة دمشق أو حماه أو درعا أو حمص أو حلب وأراد زيارة بعض المناطق التي تسيطر عليها هذه الميليشيات مثل الحسكة أو الرقة أو منبج احتاج إلى تصريح سفر بكفالة كردي معروف لدى الميليشيات.

وهذه الميليشيات هجّرت أكثر من مليون عربي سوري من مناطق شرق الفرات وعين العرب ومنبج وسوّت بعض قراها بالأرض , وقامت بتغيير أغلب المدن والقرى التي احتلتها وفرضت اللغة الكردية على مدن وقرى وأحياء عربية لا يوجد بها أي وجود للأكراد، كما قامت بالتجنيد الإجباري للعرب الموجودين بهذه المناطق بل قامت بتجنيد الكثير من الأطفال القصّر.

هل (بى كا كا )، و(بي يي دي) هم الممثلون للأكراد داخل سوريا أو الدولة التركية أو غيرها من الدول ؟

بالقطع لا، وعلى سبيل المثال الغالبية العظمى من المواطنين الأتراك ذوى الأصول الكردية لا يشعرون بأي فرق بينهم وبين إخوانهم الأتراك أو التركمان أو ذوي الأصول العربية مثل أتراك أورفا وسيرت وغيرها بل إنهم يتقلدون أرفع المناصب بأجهزة الدولة ومؤسساتها العادية والسيادية (إن جازت التسمية)، ويوجد خمسون نائباً كردياً من نواب حزب العدالة والتنمية بالبرلمان التركي، بخلاف التمثيل القوى بحزب العدالة والتنمية بكافة تشكيلاته.

والعمليات الإرهابية التي تقوم بها ميليشيات بي كا كا أو بي يي دي لا تفرق بين تركي وعربي وكردي بل راح ضحيتها الكثير من الأكراد، بل إن حجم المعاناة التي يعاني منها الأكراد في مناطق مثل ديار بكر وغيرها من ميليشيات الحزب وعصاباته كانت تفوق الخيال من عمليات قتل واغتصاب وسرقة وقطع طرق وهو ما سمعته بنفسي من الأكراد هناك، وكم قدمت الدولة التركية من مبادرات وإجراءات تهدئة ومحاولة دمج في الحياة السياسية لكن دون جدوى.

والآن السؤال الذي يطرح نفسه: من المتضرر من الأوضاع في سوريا ؟

هل أمريكا التي ظلت قواتها بسوريا سنوات وكم قتلت من السوريين تحت زعم محاربة داعش والآن يتوعد ترمب تركيا بالقضاء على اقتصادها؟

هل أوربا المتشنجة مما يحدث وليس عندها استعداد لاستقبال لاجئ سوري أو المساهمة بشكل إيجابي في حل المشكلة السورية بل إنها تدعم بشار الأسد - الحد الأدنى بالاعتراف به والتعامل معه ؟

هل السيسي الذي يقتل شعبه ويدعو مجلس الأمن للانعقاد من أجل انتهاك تركيا للسيادة العربية في سوريا؟

أم جامعة الدول العربية التي هالها ما حدث وهي التي لم تحرك ساكناً على مدار السنوات إزاء ما تفعله أمريكا وروسيا وإيران بسوريا أم أن هذا حلال لهؤلاء الذين لا مبرر لوجودهم على الأراضي السورية ؟

إن تركيا التي يعيش بها أكثر من أربعة ملايين سوري هاجروا أو هُجروا إليها على إثر ما يحدث في سوريا، وترعى مثلهم بالداخل السوري، وجملة ذلك أكثر من سبعة ملايين ونصف وهو ما يفوق ثلث الشعب السوري تريد أن تفتح ممراً آمناً وعمل منطقة آمنة لعودة السوريين إلى وطنهم، فهي صاحبة الحدود المشتركة وآوية من لجأ إليها وراعية من طلب رعايتها وهو مالم تفعله أو تحاول فعله أي دولة ممن يتنادون الآن لإعلان الحرب عليها وتدميرها اقتصادياً ومعنوياً

ولكن هذا ليس ببعيد على عالم قد اختلت فيه القيم وطففت فيه الموازين فهو لا يزن بميزانين بل بألف ميزان.