صالح النعامي

يدرك صناع القرار في تل أبيب طابع الأصداء التي يمكن أن يُحدثها قرار الرقابة العسكرية الإسرائيلية، الكشف عن شن طائرات بدون طيار تابعة لجيش الاحتلال مئات الغارات داخل سيناء ضد عناصر «ولاية سيناء»، بناءً على طلب زعيم الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي ومباركته. فعندما تعلن إسرائيل أن الأخير هو من طلب هذه الغارات، فإنها تعي أن هذا الإعلان سيزوّد خصوم السيسي في مصر بأدلةٍ دامغةٍ تؤكد ارتكابه جرم الخيانة العظمى، خاصة إن كانوا في صراعٍ مع النظام القائم في القاهرة؛ ولا سيما وأن أحداً من ممثلي هذا النظام لم يسارع لنفي الإقرار الإسرائيلي الرسمي. المفارقة أن الإعلان جاء بعد انتهاء زيارة وزير خارجية السيسي، سامح شكري، القدس المحتلة، التي هدفت إلى تقديم خدمة استراتيجية لحكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب، تتمثل في تهيئة الظروف لإحباط المبادرة الفرنسية التي يخشى نتن ياهو أن تفضي إلى المسّ بمكانة إسرائيل الدولية، من خلال إعطاء الانطباع كأن هناك «مبادرة» مصرية بديلة، ترتكز على خطاب السيسي في أسيوط في 17  أيار الماضي. 
ولا حاجة للتذكير بأن ذلك الخطاب خلا من كل شيء، باستثناء تبنيه موقف اليمين الصهيوني القائل إن تسوية الصراع تتطلب حصول إسرائيل على ترتيباتٍ أمنية، يفضي الوفاء بها إلى تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية. لكن شكري لم يأت لإحباط المبادرة الفرنسية فحسب، بل وجه ضربة نجلاء لما تسمى «مبادرة السلام العربية» التي تتبناها مصر، حيث جاءت زيارته بعد شهر على إعلان نتن ياهو أنه لا يمكن القبول بهذه المبادرة أساساً للمفاوضات. وقد مثلت الزيارة إسناداً غير مسبوق لخط اليمين الإسرائيلي الدعائي، لأنها تمت بعد أربعة أيام من قرار نتن ياهو إحداث طفرةٍ في المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، حيث اعتبر متحدثون باسم اليمين في تل أبيب أن زيارة شكري تدل على أن التوسع في الاستيطان لا يفضي إلى عزلة إسرائيل إقليمياً ودولياً، كما قال وزير الاستخبارات الصهيوني، يسرائيل كاتس.
لكن هذه الزيارة التي مثلت أحطّ مظاهر الابتذال التي يبديها نظام السيسي تجاه إسرائيل أعقبت عودة  نتن ياهو من جولته في أفريقيا، التي أسّست لإحكام الحصار على مصر من الجنوب، والمسّ بأمنها القومي، وعكست في محطتها الإثيوبية، سعيه إلى إحياء «حلف الأطراف» الذي دشنه رئيس وزراء إسرائيل الأول، ديفيد بن غوريون، في الخمسينيات، الذي قام على بناء تحالفاتٍ مع دولٍ تعادي دولةً عربية في حالة صراع مع الكيان الصهيوني، من أجل ضرب أمنها القومي، وتقليص قدرتها على التفرغ لمواجهة الكيان الصهيوني، من دون أن تكون تل أبيب مطالبةً ببذل مواردها الذاتية لتحقيق هذا الهدف. فمن أسفٍ، لم يلتفت النظام الانقلابي في القاهرة لما جاء في التحقيق المهم الذي نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية قبل ستة أشهر، وأعده السيناتور الأميركي السابق جون فين الذي أجرى مقابلات مع عشرات المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين، حاليين وسابقين، وأكدوا جميعاً ثقتهم بأنه لا مستقبل لنظام السيسي، وأنه يجدر بإسرائيل التحوّط لليوم التالي له. من هنا، تهدف جولة نتن ياهو الأفريقية، ضمن أمور أخرى، إلى الاستعداد لمواجهة حكم معادٍ في القاهرة قد يخلف السيسي، من خلال بناء تحالفاتٍ مع دول في وسعها مشاغلة مصر وإرهاقها.
وقد مثّل الاتفاق، مع الاتفاق مع تركيا، صفعة أخرى وجهها نتن ياهو للسيسي، لأنه أسدل الستار على رهانات زعيم الانقلاب على شراكاتٍ مع تل أبيب في مجال الطاقة، بعدما تبين أن المحرّك الرئيس للاتفاق التركي الإسرائيلي هو الشراكة في مجال الطاقة، واختيار إسرائيل تصدير الغاز إلى أنقرة. المفارقة أن قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية نقلت عن بعض خبراء الطاقة قولهم إنه قد يتبين، عند ترسيم حدود المياه الاقتصادية بين مصر وإسرائيل، أن بعض حقول الغاز التي اكتشفتها إسرائيل تقع ضمن المياه الاقتصادية المصرية.
وبعد أسبوع على إعلان وزير الطاقة الإسرائيلي المدوّي والمحرج، أن السيسي أقدم على تدمير الأنفاق بين سيناء وغزة فقط بعد أن طلبت منه ذلك إسرائيل، فاجأ السيسي وفداً يمثل اليهود الأميركيين بحديثه عن «قدرات نتن ياهو الهائلة، التي تؤهله ليس فقط لتحقيق التقدم والنهضة لإسرائيل، بل مساعدة المنطقة والعالم». وبعدما لطمه نتن ياهو بتعيين أفيغدور ليبرمان الذي استفز المصريين بتهديده بتدمير السد العالي وزيراً للحرب، كثف السيسي سعيه إلى تحسين صورة إسرائيل الدولية. ويشهد المعلق البارز آرييه شافيت بأنه فوجئ عندما أبلغه مسؤولون أجانب زاروا القاهرة، والتقوا السيسي أنهم «عجزوا» على الرغم من محاولاتهم، في إقناع السيسي بتوجيه أي انتقاد لسياسات نتن ياهو تجاه الفلسطينيين (هآرتس 5-7). من هنا، لم يكن من المستهجن أن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي الأسبق، الجنرال آفي بنياهو، دعا إلى توظيف السيسي في مواجهة حركة المقاطعة الدولية على إسرائيل، ذلك.
أن السيسي معني بأن تواصل إسرائيل توجيه الصفعات له على هذا النحو، حتى يواصل إقناع الغرب بالطابع الوظيفي لنظامه.