قطب العربي

تصدر محكمة جنايات القاهرة يوم الاثنين حكمها في القضية المعروفة إعلامياً بغرفة عمليات رابعة، التي تضم 51 شخصاً بينهم 16 إعلامياً غالبيتهم من شبكة رصد أو قناتي الجزيرة ومصر-25 (سابقاً) أو جريدة الحرية والعدالة أو غيرها من المنابر الإعلامية، وهو أكبر عدد من الإعلاميين في قضية واحدة، لو حدثت من قبل لاهتزت لها نقابة الصحفيين وكل المنظمات المعنية بحرية الصحافة داخل مصر وخارجها.
هم مجموعة من الصحفيين الأنقياء، يجمعهم شرف المهنة وعظم الرسالة، وتقديس الحقيقة، أصروا على أن يكونوا صوتاً للحق والحقيقة، دفاعاً عن كرامة الشعب المصري وعن ثورته وعن إرادته، ينقلون أخبار هذا الاعتصام المليوني الذي أرادت سلطة انقلاب الثالث من تموز 2013 أن تعزله تماماً عن العالم بمنع وصول الكاميرات إليه، ومنع نقل البث منه، حتى يموت من تلقاء نفسه، فكان هؤلاء الصحفيون الشجعان هم صوت الأحرار في الميدان، ورئتهم التي يتنفسون منها، ونافذتهم إلى الشعب المصري خارج الميدان، وكذا إلى العالم أجمع.
كان اعتصام رابعة يعج بالصحفيين والإعلاميين الذين حرصوا على القيام بواجبهم المهني في نقل الأخبار لمحطاتهم وصحفهم العالمية، أو حتى المؤمنين بالقضية ذاتها التي اعتصم من أجلها المعتصمون، وقد دفع بعض هؤلاء الصحفيين ثمناً فادحاً لنقل الحقيقة، إما قتلاً أو إصابة أو اعتقالاً أو مطاردة، لا يمكن تصنيف هؤلاء الصحفيين والمصورين تصنيفاً سياسياً وأيديولوجياً واحداً، فقد كان منهم الصحفي البريطاني مايك دين مصور قناة سكاي نيوز الذي قتل في فض رابعة (وهو بريطاني مسيحي)، وكان منهم الشهيد المخرج محمد الديب أحد فناني الثورة، وكان منهم الصحفي محمود شوكان (الذي لا ينتمي لأي تيار أو تنظيم سياسي أو ديني) وهو اول معتقل من الصحفيين يوم فض رابعة أيضاً ولا يزال معتقلاً حتى الآن.
كسر الحصار الإعلامي لسلطة الانقلاب، ونقل فعاليات الميدان إلى العالم أجمع هو أكبر إنجاز لهؤلاء الصحفيين والإعلاميين في تلك الظروف العصيبة، فقد نجح بعض الفنيين في تشغيل سيارة البث التابعة للتلفزيون المصري، التي لم يستطع طاقمها إخراجها من الميدان بسبب اكتظاظه بالمعتصمين، وقد تم نقل أحداث الاعتصام على الهواء مباشرة على مدار 24 ساعة، وتوفير البث لعشرات القنوات حول العالم، وبالتالي فسدت خطة التعتيم على الاعتصام وتيئيس المعتصمين حتى ينفضوا من تلقاء أنفسهم، كما نجح العديد من المراسلين الميدانيين في نقل وإنتاج تقارير إعلامية خاصة من داخل الميدان قدمت الجانب الأخر للصورة التي أراد النظام أن يصدرها للشعب وللعالم.
حين تأسست حركة «صحفيون ضد الانقلاب» حرصنا على تسهيل مهمة الفرق الإعلامية والمراسلين الراغبين في دخول الميدان وتصوير الفعاليات والخيام، والتأكد من عدم وجود مظاهر للتسليح داخل الاعتصام، ووجهنا نداء للصحفيين للحضور إلى الميدان والتحرك بحرية في أروقته ورصد ما يشاؤون، وطمأنتهم على سلامتهم الشخصية وسلامة أجهزتهم، وقد استجاب لمبادرتنا كثيرون وغيّروا انطباعاتهم السلبية الناتجة من المعلومات الخاطئة، وكانت خيمة حركة (صحفيون ضد الانقلاب) في رابعة بمثابة بيت للصحفيين الوافدين للميدان سواء كانوا من أصحاب المواقف المهنية الرافضة للإنقلاب، أو من الذين يريدون فقط ممارسة عملهم المهني، أو حتى من يرغبون في المبيت داخلها، وكان لطلة الإعلاميين على منصة رابعة اثر كبير في نفوس المعتصمين الذين كانوا يحملون مرارات كبيرة للإعلام بحسبانه الذي حرض قطاعات من الشعب على التمرد على الشرعية، وعلى ثورة 25 يناير، فكان ظهور هؤلاء الصحفيين والإعلاميين على المنصة علامة على وجود نوع آخر من الإعلاميين أصحاب القضية، المدافعين عن الشرعية، وعن الحرية، والرافضين للانقلاب ولحكم العسكر، وكان جمهور المعتصمين يستقبلونهم في كل ظهور بهتافات ترحيب مدوية.
أياً كان الحكم، فالمؤكد أن القضية لا تقوم على أي أساس قانوني، فهؤلاء صحفيون ومراسلون كانوا يؤدون عملهم سواء كانوا مقتنعين بفكرة الإعتصام أو غير مقتنعين بها، وأياً كان الحكم فلن ينسى أنصار الحرية لهؤلاء الصحفيين والمراسلين والمصورين دورهم في تغطية الاعتصام ونقله للشعب المصري وللعالم، ودحض محاولات تشويهه ورميه بكل نقيصه، والادعاء بتكدسه بالسلاح، واياً كان الحكم فسيذكر التاريخ هولاء الصحفيين والمصورين بما يستحقون من تقدير وتبجيل على دورهم دفاعاً عن الحرية وتمسكاً بالمهنية، وحماية للإرادة الشعبية.}