العدد 1473 /11-8-2021

انتقلت الخلافات بين جهازي الاستخبارات العامة والأمن الوطني المصريين إلى ترشيحات مفتي الجمهورية، في الوقت الذي تنتهي فيه المدة القانونية لقرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتجديد للمفتي الحالي الدكتور شوقي علام في 12 آب الحالي. وبحسب مصادر خاصة ، فإن هناك خلافاً واضحاً بشأن الترشيحات للمنصب، فقد قدّم جهاز الأمن الوطني رؤية يتبنى فيها التجديد للمفتي علام، كون مواقف الأخير متوافقة تماماً مع الرؤية الرسمية للدولة، فيما قدّم جهاز الاستخبارات العامة تصوراً بضرورة اختيار شخصية جديدة، بسبب فشل علام في مواجهة "الكاريزما" الكبيرة لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذي تسبب في إحراج رئيس الدولة في أكثر من مناسبة. وقالت المصادر إن الطيب يتمتع بشعبية كبيرة، بسبب مواقفه، وسط غياب تام لكافة الشخصيات الدينية الرسمية، وفي مقدمتها وزير الأوقاف مختار جمعة، والمفتي شوقي علام.

وكشفت المصادر أن جهاز الاستخبارات العامة رشّح اسم الدكتور محمد الضويني، وكيل مشيخة الأزهر، والذي تم اختياره أخيراً عضواً في هيئة كبار العلماء، لخلافة علام، مشيرة إلى أن الضويني يتمتع بثقة أجهزة الدولة الرسمية، وهو ما ساعده صدور القرار الرئاسي سريعاً بتكليفه وكيلاً للأزهر. كما أن الأخير، بحدّ تعبير المصادر، يملك من الشخصية والكاريزما ما يمكنه من معادلة قوة شيخ الأزهر في مؤسسة دار الإفتاء، خصوصاً مع كونه عضواً في هيئة كبار العلماء بالأزهر، كما أن عمل الضويني في بلدان خليجية، مثل الإمارات وسلطنة عُمان، يعد نقطة مهمة في صالحه. ولفتت المصادر إلى أن ترشيح الضويني من جانب الاستخبارات العامة يأتي كونه شخصية غير صدامية على الإطلاق، ومواقفه الفقهية معتدلة، ولا يُذكر له أي موقف عارض فيه أو تصادم مع قرار رسمي للدولة.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أصدر قراراً جمهورياً في 15 تشرين الأول الماضي قضى بتعيين الضويني وكيلاً للأزهر الشريف لمدة عام، على أن يعامل بدرجة وزير من حيث الراتب والبدلات. والضويني حاصل على شهادتي الماجيستير والدكتوراه في الفقه المقارن. وهو نال الأخيرة عام 1988، بدراسة عنيت ببيان أحكام المذاهب الثمانية ومقارنتها بالقانون الوضعي وترجيح الاتجاه المناسب وفق مقتضيات الدليل والمصلحة.

ومرت العلاقة بين الرئيس المصري وشيخ الأزهر الحالي بمحطات صدام متعددة، نجا منها الطيب، لأسباب كثيرة. وكانت أولى تلك المحطات موقف شيخ الأزهر من مذبحة فضّ اعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية في 14 آب 2013، وكان لافتاً حدة خطاب الطيب، الذي لم يساوِ بين الجلّاد والضحية، كما تبرّأ من هذه الدماء، وأكد أن الأزهر ليس لديه علم بما حدث، ثم إعلانه الاعتصام في قريته إلى أن تزول الأزمة.

المحطة الثانية في الصدام، كانت متعلقة بهجوم السيسي على قادة المؤسسات الدينية، في عام 2017، متهماً إياهم بالتقصير في تطبيق إصلاحات متعلقة بالمناهج التعليمية، موجهاً حديثه للطيب شخصياً، قائلا له "تعبتني يا فضيلة الإمام". في المقابل، لم يؤثر الطيب السلامة ويقرر الصمت، بل أعلن الرد على هذه الانتقادات مراراً وتكراراً، مشدّداً على أن الأزهر يتابع هذه القضية كما ينبغي بطريقته الخاصة، ملمحاً أنه لا يحتاج إلى تعليمات من شخصية تفتقر إلى أوراق اعتماد أزهرية.

المحطة الثالثة والأبرز في الصدام كانت ما عرف إعلامياً باسم "الطلاق الشفوي" وتمسك الإمام الطيب بالرأي الشرعي الذي يؤكد وقوع الطلاق الشفوي، ورفضه مطلب السيسي بعدم اعتبار الطلاق نافذاً إلا في حال توثيقه. وأصدر الأزهر بياناً يُصر على وقوع الطلاق الشفهي، إلا أنه يشير في الوقت ذاته إلى حق "ولي الأمر"، أي الحاكم السياسي شرعاً، باتخاذ إجراءات لتوقيع عقوبة على مَن لا يوثّق الطلاق الشفهي.

المحطة الرابعة كانت ما سمي بأزمة الخطبة الموحدة، التي أعلن الأزهر وشيخه رفضه لها، وتصدت وزارة الأوقاف وقتها للإمام الطيب، كون ذلك توجيها رئاسيا. فيما كانت المحطة الخامسة والأخيرة، هي التعديلات الدستورية، التي كانت تتضمن نصّاً يتيح لرئيس الدولة عزل شيخ الأزهر، وذلك قبل أن يتوسط ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لدى السيسي، لاستبعاد ذلك النص.