بشير البكر

جاء سقوط دوما ليشكل محطة مهمةً في المسألة السورية، لأنها تعد آخر معقل للمعارضة السورية المسلحة في محيط العاصمة، التي ظلت تعاني منذ عام 2012 من الضغط العسكري للمعارضة، وظهر أن روسيا التي تقود عملية تأمين دمشق تريد أن تذهب بعيداً لتصل حتى مدينة إدلب، لأنها لن تجد بعد الآن من يتصدّى لها على الأرض، وهذا ما تقوم به اليوم من عمليات تهجير من القلمون الشرقي في طريق التقدم نحو المعاقل الباقية للمعارضة المسلحة في ريفي حمص وحماة.
الورقة الأساسية في يد روسيا أن ميزان القوى على الأرض بات في مصلحتها، وسط تراجع خيارات المعارضة المسلحة التي خسرت مواقعها الواحد تلو الآخر من حلب في نهاية 2016، حتى الغوطة الشرقية، ولم يعد لديها سوى إدلب التي تعتبر ساقطة عسكرياً، لكونها تعيش مواجهات مفتوحة بين جبهة النصرة وبقية أطراف الفصائل المسلحة منذ عدة أشهر، الأمر الذي أحدث حالة من الإحباط وسط الحاضنة الشعبية للمعارضة، تمهد الطريق لعودة النظام إلى هذه المناطق بأقل التكاليف.
لكنّ تقدم روسيا ميدانياً على المعارضة لا يعني نهاية للأزمة السورية، فهي مستمرةٌ في المدى المنظور، ومفتوحةٌ على احتمالات تصعيد عديدة، روسي أميركي، وإيراني إسرائيلي، والأمر الثابت أن تل أبيب وواشنطن على الموجة نفسها في ما يخص دور إيران في سورية، تلتقيان عند تحجيم هذا الدور في الوقت الحاضر على الأقل، وهو ما يهدّد بتوسيع نطاق المواجهة نحو لبنان.
ومن تطور إلى آخر، يتأكد في كل مرة أن بشار الأسد ليس أكثر من ورقة في اللعبة، وتبيّن من مجريات الضربة الثلاثية أخيراً أنه ليس هناك من هو قادر على حمايته، ولو أرادت الأطراف الثلاثة التي وجهت الضربة استهداف رأس النظام لفعلت ذلك، لأن روسيا وطهران لم تتمكّنا من صدّ الصواريخ التي توجهت إلى مراكزه الكيميائية.
كانت الضربة الثلاثية، الأميركية الفرنسية البريطانية، على مواقع تابعة للنظام السوري، بمثابة درس بليغ اختصر الملف السوري من الألف إلى الياء، وكشفت حجم ودور كل طرف من القوى التي تتصارع على الساحة السورية. وعلى الرغم من أنها كانت محدودة، فقد وجهت الضربة رسالة اعتبرها المندوب الروسي في مجلس الأمن «إهانة للرئيس فلاديمير بوتين».
قالت الضربة إن السلاح الكيميائي خط أحمر، ووجهت صفعة للروس، لكنها لا تعبر أيضاً عن سياسة أميركية جديدة حيال سورية. وكما هو معروف، فإنه لا يوجد حتى اليوم من يتابع الملف السوري في الخارجية الأميركية، على عكس ما هو عليه الأمر في البنتاغون، وهذا أمر على درجة عالية من الخطورة، وسط هذا الكم الكبير من التعقيدات والتقاطعات التي باتت تنذر بتصعيدٍ أكبر مما هو حاصل، خصوصاً على صعيد الحضور الإيراني، ودور إيران المستقبلي في سورية وموقف إسرائيل الرافض ذلك، وعبرت تل أبيب عن امتعاضها بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى قاعدة تيفور الخاصة بالإيرانيين.
تستطيع الولايات المتحدة أن تخرّب كل ما بناه الروس في سورية طوال السنوات الماضية، وفي وسعها أن تقلب الطاولة، وتقطع الطريق على أي ترتيباتٍ لا تلبي مصالحها، وتبين خلال الأيام الماضية مدى ركاكة الإنجاز الروسي وهشاشته، ومن خلفه الإيراني الذي تم بصرف مئات المليارات، وتقديم تضحياتٍ بشرية كبيرة. إذا استوعب الروس درس الضربة، فعليهم أن يغيّروا سلوكهم، ويتوقفوا عن الاستهتار بالمواقف الدولية، ومهما امتلكوا من أوراق القوة على الأرض فليس أمامهم سوى مخرج وحيد، هو العودة إلى حل سياسي، من خلال مسار جنيف، ومن دون شروط مسبقة، ولكن على أساس بيان جنيف 1 الذي يتلخص بتشكيل هيئة حكم انتقالية، لا دور لبشار الأسد فيها.}