العدد 1395 / 15-1-2020

لماذا ابتهج معظم السوريين بمقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني؟ ببساطةٍ، لأنه أذاقهم الويل. قتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم، هجّر أسرهم، وجعلهم في أثناء الحصار يأكلون من خشاش الأرض، ويرون أطفالهم يذوون جوعا ومرضا أمام أعينهم. كلّ سوري فقد ابنا أو أخا أو أمّا أحسّ بشيء من العدالة وإحقاق الحقّ بمقتل رجلٍ ارتكب انتهاكاتٍ مرعبةً لحقوق الإنسان في سورية، عندما كان الحاكم الفعلي لمنطقة الشرق الأوسط.

في المقابل، ثمّة جزء كبير من السوريين حزنوا لمقتله وأقاموا مجالس العزاء. رئيس النظام السوري بشار الأسد وصف مقتل سليماني بأنه "عدوان أميركي غادر وجبان"، وقال في رثائه إن سليماني سيبقى "خالداً في ضمائر الشعب السوري الذي لن ينسى وقوفه إلى جانب الجيش العربي السوري في دفاعه عن سورية ضد الإرهاب وداعميه، وبصماته الجلية في العديد من الانتصارات ضد التنظيمات الإرهابية". ناسيا ما كان سليماني نفسُه قد قاله في وصف الجيش السوري "عديم الفائدة"، وأنه يتمنى لو يستطيع أن تمنح له صلاحية استخدام كتيبة واحدة من "الباسيج" (جهاز الأمن الإيراني) "لكنتُ قد سيطرت على سورية بأكملها".

انقسام السوريين العميق ليس استثناء. الأميركيون أيضا انقسموا بحدّة إزاء مقتل سليماني، ما بين

"ترامب لم يقتل سليماني كرمى لعين السوريين أو العراقيين، بل من أجل مصلحته ومصلحة حزبه"

متحمّس لـ "شجاعة" الرئيس ترامب وحزمه ومنتقد لـ "تهوّره ولا مسؤوليته". وأعلن جمهوريون كبار تأييدهم عملية مقتل سليماني، ولم يخفِ بعضهم غبطته الطفولية، فنشر رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ، ليندسي غراهام، تغريدة على "تويتر" قال فيها "أنا أقدّر عاليا، الإجراءات الجريئة التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب ضد العدوان الإيراني. نقول للحكومة الإيرانية: إذا كنتم ترغبون بالمزيد فستنالون المزيد". وأضاف: "شكرا سيدي الرئيس على الوقوف إلى جانب أميركا". وأعرب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، وزعيم الأقلية في مجلس النواب، كيفن مكارثي، عن تأييدهما الغارة الجوية. وفيما كان تركيز تبرير الرئيس ترامب وإدارته على أن العملية جاءت ردّا مسبّقا على عملياتٍ كان سليماني يخطّط لها ضدّ مصالح أميركية، لم يخشَ وزير الخارجية، مايك بومبيو، في مقابلة تلفزيونية يوم الأحد الماضي من أن يقول إن قتل الإرهابي سليماني جاء أيضا بسبب مئات ألوف السوريين الذين قتلهم وملايين السوريين المهجّرين.

في المقابل، اشتكت رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، بمرارة من أن الرئيس ترامب تركها هي وزعماء الكونغرس الآخرين خارج الحلبة قبل أن يُقدم على عمليته. وحذّر مرشحو الرئاسة الديمقراطيون من أن تصرّفات ترامب ستقابل بالتأكيد بالانتقام من طهران، ويمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى حربٍ أخرى في الشرق الأوسط. وقال النائب السابق للرئيس والمرشح للانتخابات التمهيدية للديمقراطيين، جو بايدن، إن "ترامب ألقى للتو إصبع ديناميت في برميل بارود، وعليه أن يقدّم توضيحات للشعب الأميركي"، بينما أكّد المرشح الآخر للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، بيرني ساندرز، أن "التصعيد الخطير لترامب يقرّبنا أكثر من حربٍ كارثيةٍ أخرى في الشرق الأوسط". وأضاف أن "ترامب وعد بإنهاء الحروب التي لا تنتهي، لكن عمله هذا يضعنا على طريق حربٍ أخرى".

وخرج مئات الأميركيين في مظاهرات في واشنطن ونيويورك وشيكاغو ولوس أنجليس تلبية لدعوة منظمات يسارية، وطالبوا بالانسحاب الفوري للقوات الأميركية من العراق، ورفض الحرب على إيران والعقوبات المفروضة عليها. ووقفت الصحافة الليبرالية الأميركية عموما ضدّ عملية الرئيس ترامب، ولكنها لم تصل إلى درجة الانحطاط التي وصلت إليها زميلتها الصحافة اليسارية في أوروبا التي تبني سياستها على النكاية والكيدية، ضدّ السياسات الأميركية عموما، وتشتطّ بسبب ذلك لترى في سليماني مناضلا ثوريا، ولا انحطاط بعض اليسار العربي والفلسطيني الذي حدا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي، إلى وصْف قاسم سليماني، بأنه "تشي غيفارا الشرق الأوسط"، مضيفا في تصريحاتٍ لقناة الميادين الموالية لإيران إن "اغتيال سليماني ستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة"، متوقعا أن "تكون نتائجه مكلفة جدا على الولايات المتحدة".

بموته كما في أثناء حياته، عمّق قاسم سليماني الانقسام الحادّ بين السوريين والأميركيين والعراقيين واللبنانيين، وهذا ما كان يهدف إليه.

وفي كلمة له أمام مجلس الخبراء الإيراني عام 2013، قال سليماني: "سورية هي خط الدفاع الأول للمقاومة، وهذه حقيقة لا تقبل الشك". وفي العراق لعب دورا في قمع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام، من خلال أوامره إلى الدمى العراقية التي يحرّكها، مثل حزب الله العراقي وقوات الحشد الشعبي.

وائل السواح