د. سمير صالحة

بدعوة من مركزي أبحاث ودراسات يتابعان الشأن الكردي في المنطقة، وبتمويل ودعم روسيّين مباشرين، عقد سياسيون ومفكرون أكراد وروس مؤتمراً إقليمياً في موسكو، لبحث مستقبل القضية الكردية في تركيا والعراق وسوريا.  
من المهم أن نعرف بمن سيتزوج العريس الكردي المرتفعة أسهمه في هذه المرحلة، القضية الكردية في تركيا والعراق وسورية وإيران، البلدان الأربعة التي يتنازعون معها على حقوقهم السياسية والاجتماعية والثقافية، تحت عنوان «المنافسة لإعادة تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط: الوضع الراهن والعواقب المحتملة، بمشاركة ممثلين عن أكراد هذه البلدان. ويحمل المؤتمر في طياته دلالات عدة، منها أنه يعقد للمرة الأولى بهذا الشكل والتمثيل الواسع من الأكراد، وجاء قبيل انطلاق مفاوضات جنيف السورية بأيام، ويشكل فرصة روسية للأكراد لتنسيق مواقفهم تحت الرعاية والحماية التي توفرها لهم. ويبدو أن موسكو التي تخلت عن حليفها أوجلان، وقبلت تسليمه إلى أنقرة في 15 شباط 1999، تحاول أن تكفر عن نفسها من خلال توقيت انعقاد المؤتمر في التاريخ نفسه الذي تخلت فيه عن أوجلان.
وقد تكون موسكو جاهزة لتفعيل ورقة بذل مزيد من الجهود، من أجل إنجاز عملية التفاهم بين نظام الأسد وصالح مسلّم في سورية، وهي فعلت ذلك في كانون الأول من العام المنصرم، لكنها بشأن إمكانية الوقوف الى جانب اقتراح منح أكراد سورية الحكم الذاتي، تقول إن دستوراً فيدرالياً لسورية يحمي حصة الأكراد السياسية والدستورية ونفوذهم لا يعدّ اقتراحاً، بل تساؤلاً تطرحه هي لبدء المناقشة حول الموضوع، لكنها على الأرض تفعل أكثر من ذلك. أن تنسق روسيا مع أكراد سورية، من دون تفاهمات مسبقة مع أنقرة، أم أن موسكو تحاول سحب الورقة الكردية من يد واشنطن، لتوظيفها في علاقتها بأنقرة وطهران؟
عادت موسكو التي سمحت بافتتاح ممثلية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأصدرت «رسالة تنظيم المؤتمر الكردي واحدة مما تستطيع أن تفعله، وذريعتها دائماً جاهزة هنا، الدفاع عن سورية، حليفها وشريكها الاستراتيجي»، حيث تتقاطع المصالح بين الجانبين. لكن موسكو بمقترحاتها، في إطار مشروع الدستور الذي تروّجه في سورية الجديدة، تدعم قيام كيان فيدرالي هناك، وهي تدرك جيداً أنه بعد حرمانهم حضور اجتماعات أستانة، لجأ أكرادُ سورية إليها، لبحثِ التنسيق في حماية مصالحهم. وهي لذلك تقدم تسهيلات حيال المطالب الكردية، إذا ما شعرت بأن تفاهماً تركياً أميركياً، يتم من وراء ظهرها، وعلى حسابها في سورية. ورسالة تنظيم المؤتمر الكردي واحدة مما تستطيع أن تفعله موسكو، وذريعتها دائماً جاهزة، الدفاع عن سورية، حليفها وشريكها الاستراتيجي. وقد تتحول إدارة ترامب نحو ترجيح التنسيق مع حليفها التركي في الملف السوري، لكن موسكو جاهزة لاستغلال علاقتها بأنصار المشروع الفيدرالي من الأكراد، وتقديم نفسها راعياً لمصالحهم، بدلاً من واشنطن، فيما تتشدد تركيا في منع إشراك مجموعات حزب الاتحاد الديمقراطي في أية مفاوضات تتعلق بسورية، تكون هي طرفاً فيها.
في السيناريو المحتمل، لن تتخلى أنقرة عن مواقفها حيال حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأميركا لن تتراجع عن دعمها الوحدات الكردية في سورية التي تحارب «داعش». قد يكون الحل في أن يتخلى أكراد صالح مسلم عن الذهنية التي يطرحونها، وينتظروا مسار الثورة في سورية، غير أن أكراد سورية يقولون إنهم تعلموا الدرس من اتفاق «سايكس بيكو» الأول قبل مائة عام، ولن يسمحوا بأن يكون مشروع سايكس بيكو الجديد على حسابهم مرة أخرى. من المهم طبعاً أن نعرف بمن سيتزوج العريس الكردي المرتفعة أسهمه في هذه المرحلة، لكن المهم أيضاً أن نعرف العروس التي سيختارها من بين فتياتٍ عديدات حتى لا يقع في مطب الاكتفاء باختيار بذلة العرس التي سيرتديها لا أكثر.
ويرى الأكراد أنهم اليوم وسط تطورات تاريخية، تلعب دوراً بنّاءً لمصلحتهم، أكثر من أي وقت مضى، وأن الهدف الأكبر بالنسبة إلى أكراد سورية هو إنشاء دولة مستقلة خاصة بهم، أما الحد الأدنى لأهدافهم فهو حصولهم على حكم ذاتي سياسي وثقافي موسع، في إطار الدولة السورية. وهناك من يرى أن الأكراد وصلوا إلى مرتبة القبول بهم قوة تُسهم في تحديد شكل مستقبل المنطقة، وأن التحولات التي أنتجتها ثورات الربيع العربي أعادت القضية الكردية إلى الواجهة، فضلاً عن نجاح الأكراد في استثمار الحرب على «داعش».
ويستفيد أكراد صالح مسلم الذين يناورون على أكثر من جبهة من أجل الوصول الى هدفهم الأول في الحصول على حكم ذاتي في المنطقة الشمالية المتاخمة لتركيا، يستفيدون اليوم من الدعم الأميركي العسكري والمادي المباشر، تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق. وهم يحاولون إقناع الإدارة الأميركية الجديدة بأنهم، بتحالفهم مع القوى العربية في المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم، وبغطاء جوي أميركي، يمكنهم طرد «داعش» من الرقة نفسها، وأن مطلبهم الوحيد هنا هو ربط الكانتونات الكردية في شمال سورية ببعضها، من خلال تعطيل عملية درع الفرات التركية.