وسام الحجار

هل سمعتم بـ «قانون لينين» الذي يقضي بالعمل على إقامة دولة لليهود في فلسطين؟
بينما لا يجهل أحد «وعد بلفور المشؤوم»، الذي منحت بموجبه الحكومة البريطانية الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، بناءً على المقولة المزيفة «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض».
بداية لا احاول في هذه الأسطر القليلة تبرئة بريطانيا ووزير خارجيتها من جريمتهم الكبرى تجاه فلسطين، وأطالبهم بالاعتذار الفوري لما بدر منهم قبل 99 عاماً كما أطالبهم بإعادة الحق المغتصب لاصحابه، جئت هنا لأضيء على منحى تاريخ آخر تم تغافله أو أغفلنا عنه قصداً، فمن هو مؤسس دولة إسرائيل الحقيقي «وعد بلفور» أم «قوانين لينين»؟
هناك حقائق خطيرة تموت ولا تذكر، وأخرى أقل شأناً تحيا وتضخم على حساب الأولى! فمن الذي أمات الأولى وأحيا الثانية في عقول الناس، وكيف يتم ذلك؟ أسئلة بحاجة إلى إجابات صادقة.
صدر وعد بلفور عام 1917، وهو الوعد الذي أصدرته الحكومة البريطانية بإنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وفي العام نفسه نجحت الثورة الشيوعية في روسيا وكان معظم قياداتها من اليهود، حيث تشكّل المكتب السياسي الأول للثورة البلشفية من سبعة أشخاص كلهم يهود إلا واحداً، وهذا يعكس مدى الارتباط بين الشيوعية واليهودية. نجحت هذه الثورة في السيطرة على روسيا، وسرعان ما أصدر لينين (أول رئيس للاتحاد السوفياتي) قراراً ذا شقين بحق اليهود:
1- يعتبر عداء اليهود عداءً للجنس السامي يعاقب عليه القانون.
2- الاعتراف بحق اليهود في إقامة دولة إسرائيل، ذات السيادة في فلسطين.
 وبما أن أرض فلسطين كانت ستؤول إلى الاحتلال البريطاني وليس الروسي، فإن هذه القوانين رغم أنها أقوى من وعد بلفور وأكثر إلزامية، فقد استدعى الأمر أن يتوجه اليهود بكافة الوسائل الدبلوماسية للحصول على قانون أو حتى مجرد وعد من بريطانيا بإقامة دولة إسرائيل، حتى ولو مجرد وطن قومي على جزء من فلسطين، وسوف يتكفل الاتحاد السوفياتي الشيوعي بالباقي.. وهذا ما كان.
نعود هنا الى علاقة الشيوعية باليهودية، حيث كان من أولى خطوات الثورة البلشفية الشيوعية منح اليهود أعلى درجات الحقوق السياسية، وأصبحت معاداة أيّ يهودي جريمة يحاسب عليها القانون. وانخرط اليهود في الجيش الأحمر السوفياتي الذي أسسه تروتسكي، علماً أن اليهود قبل الثورة البلشفية كانوا يعانون من الاضطهاد على يد الروس الأرثوذكس، وكان شعارهم في ذلك: «اقتلوا اليهود أعداء المسيح».
ويقول الحاخام موسى ميللر بخصوصه: منذ الأيام الأولى لقيامه، اتخذ الاتحاد السوفياتي الخطوات الكفيلة بالقضاء على العداء لليهود. ويقول لويس ليفي: الاهتمام المميز الذي كرّس للشعب اليهودي في روسيا كان من أبرز صفات الاتحاد السوفياتي منذ ولادته في ثورة 1917م، فبعد مرور أسبوع على انهيار الحكم القيصري، أصدرت الحكومة الاشتراكية الوليدة برئاسة لينين قانوناً حظرت بموجبه التفرقة القومية. بهذا يكون الاتحاد السوفياتي أول دولة في العالم تعتبر العداء لليهود جريمة يعاقب عليها القانون. ويقول أدريان أركاند: «ليس من قبيل المصادفة أن اليهود فقط هم مخترعو الشيوعية وأنبياؤها العظام: كارل ماركس، انجلز، فريديناند لاسال، ليبناخت.. وغيرهم كثر. وليس كذلك من قبيل المصادفة أنه كلما قفزت الماركسية إلى السلطة والحكم، قفز معها اليهود فوراً إلى السلطة والحكم. ففي روسيا السوفياتية، من أصل 550 مسؤولاً رسمياً، هناك 88% منهم يهود...
هذا الارتباط العقدي المقدس جعل من الاتحاد السوفياتي السابق الأداة الخفية والورقة الضاغطة في تأسيس ما يسمى بدولة اسرائيل، فطوال فترة الانتداب البريطاني كانت الدول الشيوعية ترفد اليهود في فلسطين بالمهاجرين والأسلحة، وكانت تشجعهم على التمرد على الانتداب البريطاني! ونتيجة لكثرة تمرّد اليهود وتزايد الضغوط اليهودية على بريطانيا، فقد قررت عرض قضية مستقبل الحكم في فلسطين على الأمم المتحدة عام 1947، فقامت الكتلة الشيوعية في مجلس الأمن بقيادة مندوب الاتحاد السوفياتي (أندريه غروميكو) بإلقاء ثقلها من أجل إصدار قرار بتقسيم فلسطين، وأن يكون لليهود دولة دينية يهودية مستقلة ذات سيادة وليس تحت حكم ذاتي عربي أو حكومة مشتركة.
وهنا يتبادر الى أذهاننا السؤال التالي: لماذا لم يقم اليهود بتهميش وعد بلفور إعلامياً؟ كما جرى مع قوانين لينين الإلزامية لإقامة دولة إسرائيل لليهود وليس فقط وطناً قومياً؟ أليس من الأولى تهميش وعد بلفور ما دام مجرد وعد بإقامة وطن قومي وليس دولة؟
للإجابة عن هذا السؤال نعود الى «قانون إماتة الاحتمالات الحيّة وإحياء الاحتمالات الميتة»، وساحة هذا القانون الشعوب الغافلة التي تسعى الصهيونية والشيوعية الاشتراكية إلى فصل قوتها عن القوى الحاكمة، بل جعل قوة الشعب سنداً إلى جانبهم.. وهذا الأسلوب من أمضى الأساليب المستخدمة لإسقاط الأنظمة، لأن تحالف القوى الحاكمة مع شعوبها يحول دون هدم اليهود للدول المستهدفة التي طالما تعمل اليهودية للفصل بينها وبين شعوبها، وقد نجحت في تحقيق ذلك نجاحاً ساحقاً بأساليب شتى.
تقول البروتوكولات الصهيونية اليهودية: «إننا نخشى تحالف القوة الحاكمة في الأممييّن «غير اليهود» مع قوة الرعاع العمياء، غير أننا اتخذنا كل الاحتياطات لنمنع احتمال وقوع هذا الحادث. فقد أقمنا بين القوّتين سداً قوامه الرعب الذي تحسّه القوتان، كل من الأخرى. وهكذا تبقى قوة الشعب سنداً إلى جانبنا، وسنكون وحدنا قادتها، وسنوجهها لبلوغ أغراضنا».