العدد 1376 / 4-9-2019

"كثيرون سيخجلون من النظر في وجوه الناس، إذا فتحت دفاتر مكافحة الإرهاب، وستسودّ وجوه كثيرة"، عبارات قالها رئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داود أوغلو قبل أيام، في معرض انتقاده الرئيس أردوغان، تركت جدلاً واسعاً في الساحة التركية، وخصوصاً أن داود أوغلو لم يشرح تفاصيل ما قصده، سوى الإشارة إلى مكافحة الإرهاب، بين 7 حزيران عام 2015 والأول من تشرين الثاني من العام نفسه، وهي الفترة التي خسر فيها حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية في الانتخابات، قبل أن يدعو أردوغان إلى انتخابات مبكرة، ويستعيد ما خسره حزبه تقريباً.

الأسئلة كثيرة عن أسباب موجة الانتقادات اللاذعة التي يوجهها داود أوغلو إلى أردوغان، ولماذا صمت طويلاً عن أخطاء المرحلة التي كان فيها رئيساً للوزراء، وقرّر التحدّث الآن؟ وهل تدخل هذه الانتقادات في إطار مساعيه إلى تشكيل حزب جديد. أم أنها لتصحيح مسيرة حزب العدالة والتنمية الذي ما زال هو عضواً فيه؟ وفي ظل العلاقة الوثيقة بين الرجلين طوال الفترة الماضية، لا بد من السؤال عن الجانبين، الشخصي والنفسي، في هذه الخصومة المتصاعدة؟ يعرف الجميع أن داود أوغلو كان أقرب المسؤولين الأتراك إلى أردوغان، إذ فور تسلم الأخير رئاسة أول حكومة يرأسها عام 2003، عيّنه مستشاراً له، ثم بات الرجل بمثابة صندوق أفكار أردوغان، والمنظّر الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية (الحاكم)، حتى وصل إلى رئاسة الحكومة عام 2014، قبل أن يقدّم استقالته (إقالته؟) عام 2016، لتدخل العلاقة بين الرجلين مرحلة جديدة، عنوانها الأساسي الشك والريبة.

ربما اعتقد داود أوغلو، بعد إقالته من رئاسة الحكومة، أن أردوغان لن يقترب من رئاسته

"تزامن خروج داود أوغلو عن صمته مع سعيه إلى تشكيل حزب سياسي جديد" حزب العدالة والتنمية، ولكن ظنه خاب، إذ للمرة الأولى في تاريخ تركيا، بات أردوغان رئيساً للجمهورية ويشغل، في الوقت نفسه، رئاسة الحزب الذي ينتمي إليه. وكان ذلك بمثابة وضع نهاية لمسيرة داود أوغلو السياسية، قبل أن يعود إلى دائرة الضوء على وقع خسارة حزب العدالة والتنمية المدن الكبرى في الانتخابات البلدية أخيراً، ويوجه سهام النقد، للمرة الأولى، لأردوغان، ويحمله مسؤولية تراجع الحزب، وتعثر الوضع الاقتصادي في البلاد، وهو ما دفع أردوغان إلى الهجوم عليه علناً، قبل أن يوجّه له اتهامات بالخيانة، ولو بطريقة غير مباشرة، فأردوغان لم يعتد أن يوجه أيٌّ من الرفاق القدامى اتهامات له أو حتى انتقاده، وحتى الذين تركوه، خرجوا من كنفه بطريقة هادئة، كما حصل مع رفيق دربه، عبد الله غول، وباقي مؤسسي حزب العدالة والتنمية، بعد أن استفرد أردوغان بقيادة الحزب.

تزامن خروج داود أوغلو عن صمته مع سعيه إلى تشكيل حزب سياسي من رحم حزب العدالة والتنمية، وتزامن أيضاً مع إعلان قيادي آخر لا يقل أهمية عنه، وهو علي باباجان، نيته تأسيس حزب جديد، وهو ما أثار مخاوف أردوغان، وخشيته من خروج عديدين من قادة الحزب عن كنفه، بل فقدان حزبه الأغلبية في البرلمان، وبالتالي امتلاك المعارضة فرصة الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكّرة، بما يشكل تهديداً لمستقبل أردوغان السياسي، وهو ما أثار غضبه، وتكراره مقولة أن مزبلة التاريخ مصير من يخرج من حزب العدالة والتنمية. ولكن من الواضح أن المسألة مع داود أوغلو تبدو مختلفة، فالأخير يستهدف الحاضنة الشعبية لأردوغان، ومن جهة ثانية، يهدّد بكشف مزيد من أسرار مرحلة حكم أردوغان، إذ كان مستشاراً له ووزيراً للخارجية، ورئيساً للحكومة والحزب.

وصول العلاقة بين أردوغان وداود أوغلو إلى مرحلة الهجمات والاتهامات المتبادلة ربما يدفع كل طرف إلى فتح الدفاتر القديمة، وتحميل الآخر مسؤولية ما تشهده تركيا من أزماتٍ ومشكلاتٍ وأخطاء، وهو ما قد ينقل العلاقة بين الجانبين من تبادل الاتهامات إلى الصدام. وعليه، ثمّة من يتحدّث عن صبر السلطان، وهل سيقلب الطاولة على الأكاديمي؟ أمر لا يستبعده كثيرون.

خورشيد دلي