ماجد أبو دياك

خرج محمد دحلان -القيادي المفصول من حركة فتح- من قطاع غزة عام 2006 لينجو من حركة حماس التي تمكنت من إحباط محاولته إطاحة حكمها في غزة في إطار الحكومة الفلسطينية العاشرة. في ذلك الوقت؛ كان دحلان يقود جهاز الأمن الوقائي السيئ الصيت، الذي قام من خلاله باستهداف القوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية سعيد صيام.
ومع ازدياد ممارسات جهاز الأمن الوقائي باعتقال عناصر حماس وتعذيبهم؛ قررت كتائب القسام (الذراع العسكرية لحماس) خوض معركة مع عناصر دحلان، أدت إلى مقتل عشرات منهم وهروب محمد دحلان إلى خارج قطاع غزة.
ومع أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس حظر القوة التنفيذية عام 2007 في ظل انهيار الحكومة السابقة؛ فقد قررت حماس تشكيل حكومة جديدة برئاستها في القطاع وأحكمت سيطرتها هناك، لتخوض في نهاية 2008 معركة الفرقان مع العدو الإسرائيلي التي شهدت صموداً بطولياً لكتائب القسام، وانتهت بهدنة توسطت فيها مصر بين الطرفين.
وعاشت الساحة الفلسطينية إثر ذلك خلافاً مستفحلاً بين حماس وفتح، جرت لحلّه حوارات كثيرة لم يسفر أي منها عن إنجاز اتفاق مصالحة حتى الآن.
عباس واستعراض العضلات
ضمن إطار استعار الخلاف، عمد الرئيس عباس إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة بقطع السولار عن محطة توليد الطاقة الوحيدة في القطاع، واقتطاع نسبة من رواتب مستخدمي السلطة فيه، وقطع رواتب أسر الشهداء والمعتقلين والجرحى، في محاولة منه لإثبات سيطرته على الأراضي الفلسطينية بعد قدوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة.
ويعتقد عباس أنه بحصاره غزة سيضعف أي دور مستقبلي لها في معارضة عملية التسوية، وقد يدفعها إلى الاستسلام والخضوع لسلطته، كما سيضعف مقاومتها للاحتلال ويجعلها تفكر ملياً قبل خوض مواجهة عسكرية، ليتقاسم بذلك مع إسرائيل دور الحصار المحسوب الذي تنفذه ضد قطاع غزة بالتعاون مع مصر.
ورغم أن إسرائيل تحرص على عدم خنق قطاع غزة لأنها تدرك أن زيادة الضغط توّلد الانفجار في وجهه، إلا أنها قررت هذه المرة اتخاذ خطوة محسوبة بوقف حصة الكهرباء لغزة، وسط انتقادات صدرت من داخل وخارج الائتلاف الحكومي.
حماس وحسابات الضرورة
ومن زاوية ثانية، تدرك حماس أن منفذها الوحيد في قطاع غزة للخارج هو مصر أساساً، ولذلك تضع معادلة العلاقة مع القاهرة في مقدمة حساباتها، جنباً إلى جنب مع معادلة الضبط الأمني لحدودها مع العدوّ الإسرائيلي. وإذا كانت مصر أحكمت العلاقة مع حماس من بوابة الأمن، فإن دور دحلان يأتي في هذا السياق وإن كان اتخذ بعض الأبعاد السياسية.
وفي هذا الإطار؛ تفرض القاهرة معادلة التهميش والإقصاء ضد عباس، ويعود الأمر إلى استنفاد عباس دوره في التسوية السياسية التي لامست قضية القدس، التي أطاحت من قبل الرئيس الراحل عرفات وأدت إلى مقتله في المقاطعة برام الله عام 2004.
وفيما عجز عباس عن الاقتراب من قضية القدس المتفجرة، ولا يزال يرفض تقديم تنازلات تتجاوز القدس الشرقية؛ فإن دحلان أصبح أمل مصر وإسرائيل في تحريك العملية من خلال الاستعداد لإنجاز تسوية في هذا الخصوص، تتطلب تنازلات كبيرة في القدس.
وهنا نجح دحلان -الذي هزمه عباس في المؤتمر السابع لحركة فتح وضيّق على كوادره وأنصاره- في إعادة الاعتبار لنفسه عبر فتح العلاقة مع حماس في غزة، وذلك مقدمة للحلول محل عباس في قيادة السلطة والمنظمة وفتح، ومحاولة لانتزاع غزة من قيادة الشتات المتمركزة في قطر وتركيا أساساً.
وجاء لقاء دحلان/حماس في سياق هذه المعطيات، وضمن محاولات الأخيرة لفك إسار غزة من الحصار الذي يدفع به عباس بقوة ضد غزة محاولا التقرب من ترامب.
ولا شك في أن قيادة حماس مدركة تمام الإدراك لخطورة دحلان ودوره في الإطار الإقليمي وليس الفلسطيني فحسب، ولكنها تحتاج إلى نزع فتيل النقد الشعبي لها بالتسبب في الحصار، ومواجهة ضغوط عباس عليها.
وفعلاً نجح اللقاء الصعب بين الطرفين بغزة في تخفيف الحصار ودخول شحنات من السولار المصري التي عوضت ما فقدته الحركة من سولار وخطوط طاقة، فضلاً عن فتح معبر رفح عدة أيام، ووعود من دحلان بفتحه بشكل دائم بمجرد الانتهاء من ترميمه، الأمر الذي أحدث انفراجة في غزة.
ولكن المقابل، الذي ستدفعه حماس في هذا الإطار ما زال مجهولاً، وإن كان سيتركز في تسهيل دخول دحلان للقطاع وربما نيْله مركزاً مهماً في إدارة قطاع غزة، مع احتفاظ حماس بدورها الأمني وعدم المساس بسلاحها المقاوم.
دور دحلان ومكانة عباس
وتبرز هنا تساؤلات مهمة عن خطورة الدور المستقبلي لدحلان في غزة، واتخاذها مرتكزاً لمد نفوذه إلى الضفة لمنافسة عباس وربما إطاحته ضمن مخطط إقليمي؟ وهل ستسمح حماس بهذا الدور، خصوصاً أنه سينعكس في النهاية -إذا نجح- عليها وعلى دورها في غزة؟
من الواضح أن حماس لن تفرط في حيادها بشأن الصراع بين دحلان وعباس، ولكنها قد تستفيد من ذلك تكتيكياً لتعزيز دورها ونفوذها. وسيشكل ذلك لعبة خطيرة تحتاج إلى الحذر الشديد قبل دخولها، خصوصاً أن الحركة في كل الأحوال مستهدفة من دحلان وعباس وإسرائيل متفرقين أو مجتمعين.
وحتى في حال الخلاف بين الرجلين، فإن الطرف الحاكم هو إسرائيل التي ستظل عينها على أمنها في قطاع غزة والضفة المحتلة، وستستخدم الخلاف بينهما لتعزيز دورها وتكريس رؤيتها لعملية التسوية السياسية القادمة. وتختلط خيارات الصراع بين الرجلين بخيارات خطيرة من بينها دخول الأردن على خط الصراع، واحتمال تطور بديل ثالث داخل فتح يرتبط مع الأردن ضمن غطاء إسرائيلي!
وتظل حماس مطالبة بالحذر في التعامل مع الرجلين، وعليها أن تشق طريقها ضمن مصالحة وطنية تحفظ المقاومة وتشكل غطاءً واقياً لها. ويتطلب هذا إدارة شاملة للعلاقات مع الطرفين، والتمسك بوحدة قرار تمنع بروز خيارات مناطقية محلية تنعكس سلباً على حماس نفسها.
كذلك إن كوادر فتح وقياداتها المخلصة يجب أن يضطلعوا بأدوار تحول دون تفتت حركتهم أو انقسامها وتعدد ولاءاتها، بما يحافظ على الخط الوطني الأصيل وعلى الالتقاء مع حماس في ميدان الصراع مع الاحتلال، وجعل التصدي له هو البوصلة الحاكمة للعلاقات في الساحة الفلسطينية!}