العدد 1412 / 6-5-2020

بشير البكر

لا يقبل خليفة حفتر أقل من رتبة المشير، والتي انتحلها بدلا عن رتبته السابقة، اللواء المتقاعد، التي يطلقها عليه بعض الصحافيين، حين يرد اسمه في وسائل الإعلام. وعلى الرغم من حرص حفتر على الهالة العسكرية، فإن آخر عهد له بالعمل العسكري الميداني يعود إلى معركة وادي الدوم مع القوات التشادية في 22 آذار 1987. وفيها تبهدل حفتر، ووقع في الأسر ومعه أكثر من 600 من جنوده. وكان برتبة عقيد في الجيش الليبي الرسمي الذي لم يعد له، لأنه انتقل من الأسر لدى تشاد إلى زائير، ومن ثم كينيا، وبعدها الولايات المتحدة في عام 1990 ومعه قرابة 300 من جنوده، وهناك انضم للمعارضة الليبية التي كانت تدرّبها المخابرات الأميركية (سي آي أيه) من أجل إسقاط نظام معمر القذافي.

وهناك رواية تقول إن القذافي زجّ حفتر في معركة وادي الدوم، وكان يدرك أنها خاسرة، كي يتخلص منه. ولهذا السبب رفض استرداده أسيرا، كما هو متعارف عليه في قوانين الحروب. ويعود السبب إلى أن القذافي كان يخشى نفوذ حفتر داخل الجيش، كونه من العسكر القدامى الذين شاركوا في الانقلاب على الحكم الملكي. ويبدو أن علاقة حفتر بالقذافي تذهب إلى ما هو أبعد من التنافس على حكم ليبيا، ولا تجد تفسيرا لها إلا في علم النفس. ومؤكّد أن حفتر كان يخطّط للجلوس على كرسي القذافي، إلا أنه لم يكن يطمح في انتزاع الحكم فقط، بل التحول إلى قذافي آخر. وبات واضحا، من مسيرة السنوات الست الماضية، أنه يعشق الرتب والنياشين والبدلات العسكرية. يبدو عليه أنه من طراز العسكر المهووسين بمظاهر الماريشالية، ويحرص على أن يظهر، في كل مناسبة، ببزّة عسكرية جديدة من قماش ولون وتفصيل مختلف.

ويشترك القذافي وحفتر بخصلة العناد. ويختلفان عند الحسابات السياسية، فقد كان القذافي مناورا بارعا. ويجمع الاثنين في أنهما لا يريان مستقبل البلد من دونهما، حتى لو قاد ذلك إلى إحراق الأخضر واليابس، وهكذا انتهى القذافي، وهكذا بدأ حفتر الذي باشر حربه ضد جزء من ليبيا منذ عام 2014. ومنذ ذلك الوقت، جرت جولات طويلة من القتال بين الليبيين، ومفاوضات، شاركت فيها أطراف إقليمية ودولية، في المغرب والجزائر وتونس والقاهرة وأبوظبي وفرنسا وإيطاليا وروسيا وألمانيا، وتم التوصل إلى أكثر من اتفاق حل، وفي كل مرة تلوح فرصة للتسوية يقلب حفتر الطاولة، لتعود الأمور إلى نقطة الصفر. ومنذ عام قرّر حفتر أن يقتحم العاصمة طرابلس، في الوقت الذي كان يفاوض حكومة الوفاق على ترجمة الاتفاقات إلى حلول، ولكنه لم ينجح، على الرغم من أن أبوظبي والرياض والقاهرة سخرت كل إمكاناتها من أجله. وتلقى، في الأسابيع الأخيرة، خسائر كبيرة، وتمكّنت قوات حكومة الوفاق من السيطرة على عدة مدن تعتبر استراتيجية لحفتر وقواته.

وفي كل الحلول التي جرى نقاشها في السنوات الست، كانت العقدة الأساسية بالنسبة لحفتر هي موقعه الخاص. أصر دائما على أن يتولى مسؤولية الجيش، وهو ما لم توافق عليه الأطراف الأخرى، لأنها تعرف أن ذلك يعني التسليم بانقلاب عسكري. ولذلك ذهب مساء الإثنين الماضي إلى إسقاط الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات في المغرب في 2015، وإعلان نفسه قائدا للمرحلة، مدّعيا حصوله على "تفويض شعبي" لإدارة البلاد. ولم يوضح حفتر من أين حصل على "التفويض"، ولكن الأمر الذي لا يقبل الجدل أن الثلاثي محمد بن زايد، ومحمد بن سلمان، وعبد الفتاح السيسي، شركاء في لعبة المشير حفتر الجديدة.