العدد 1416 / 10-6-2020

تمر اليوم الذكرى السنوية الثالثة للحصار على قطر الذي أعلنته السعودية ومصر والإمارت والبحرين، بعد أيام من اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية وقرصنته، ضمن حملة أمنية وسياسية وإعلامية مدروسة، غرضها إسقاط الحكم في الدوحة. ولأن الهجمة الأولى فشلت في تحقيق هدفها، فقد قطعت دول الحصار، في الخامس من حزيران 2017، علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وأغلقت على الفور كل المجالات والمنافذ الجوية والبرية والبحرية مع الدوحة. وكان لافتا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قال في تغريدة له في اليوم الثاني إن عزل قطر يمكن أن يكون "بداية النهاية لرعب الإرهاب". وفي هذا الوقت، بدأت صحف أميركية نشر مقالات ضد قطر، تبين أنها بمثابة إعلانات سياسية مدفوعة الثمن من أبوظبي التي أعلنت رسميا إن إبداء التعاطف مع دولة قطر، أو الميل نحوها أو محاباتها بأي تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي، سيعاقب بغرامة باهظة لا تقل عن خمس مائة ألف درهم، والسجن النافذ مدة تصل إلى 15 عاما. وتلت ذلك بحوالي ثلاثة أسابيع مطالب تقدمت بها دول الحصار إلى قطر، أهم ما تضمنته، إغلاق القاعدة العسكرية التركية، وخفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق قنوات شبكة الجزيرة وكل وسائل الإعلام التي تدعمها قطر، ومن بينها صحيفة العربي الجديد.

ولم يمض شهر حزيران، حتى تبين أن الهجوم يتم على عدة محاور في الوقت ذاته. أمني، سياسي، إعلامي، اقتصادي، ودبلوماسي. ووضعت فيه الدول الأربع كل ثقلها كي يحقق الهدف الذي رسمته. ولكن الدوحة تصرّفت برباطة جأش، وتمكّنت من احتواء الهجوم الذي جاء في شهر رمضان المبارك، وفي وقت كانت قطر تعتمد، في جزء أساسي من تموينها الغذائي، على المواد المستوردة من السعودية. ولم يمض وقت طويل، حتى بدأت تتكشف خيوط العملية أكثر فأكثر، وفي السابع عشر من تموز نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين في المخابرات الأميركية قولهم إن الإمارات تقف وراء اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ومواقع حكومية أخرى. وكان لهذا الاعلان أثرٌ مهمٌّ على مسار القضية، والذي تلاه بعد ثلاثة أيام صدور بيان من وزارة الداخلية القطرية يعلن أن التحقيق بشأن جريمة قرصنة مواقع وكالة الأنباء القطرية كشف عن أن عنوانين للإنترنت في دولة الإمارات استُخدما لتنفيذ عملية الاختراق.

قدرة الدوحة على الثبات في وجه الحصار، وتفكيك الهجوم الشرس خلال زمن وجيز، حوالي شهر ونصف الشهر، أفقدت المخطط الكبير زخمه، وفضحت أركانه، وخصوصا الرأس المدبر ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. وفي وقتٍ كانت أطراف الحصار تعمل على عزل قطر على المستوى الدولي، بعد فشل مخطط إسقاط الحكم من الداخل، نجحت الدوحة في كسب الرأي العام العربي والدولي، وتمكّنت من تحقيق سبق دبلوماسي بجهودها الذاتية، ربح الرهان ضد الهجوم الدبلوماسي والإعلامي الكاسح الذي كانت تقوم به أبوظبي والرياض، وصرفتا من أجل نجاحه مبالغ مالية طائلة.

واليوم بعد ثلاث سنوات من الحصار، يبقى أن حق الدوحة غير قابل للنقصان في رفع هذا الإجراء الجائر والضار، والذي حرمها من استعمال الأجواء والحدود البرية التي تخولها إياها الاتفاقات الدولية. ومقابل ذلك، يسجل للدوحة أنها تمكّنت من تطويع الحصار، وتكييف مقدّراتها بصورة عملية ونافعة، بما انعكس إيجابا على اقتصادها على المدى الطويل، ومنح علاقاتها الدبلوماسية قوة ومصداقية، وعزّز مكانة مؤسساتها الإعلامية التي تعاملت مع الأزمة على نحو مهني وأخلاقي، وسجلت تفوقا كبيرا على إعلام الحصار الذي سقط مهنيا وسياسيا، الأمر الذي عبر عن نفسه في توقف بعض الصحف عن الصدور.

بشير البكر