العدد 1400 / 12-2-2020

يبدو أن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تخطى مرحلة تأميم السياسة في الحاضر، وبات يفكر في كيفية الاستمرار في احتكار السلطة مستقبلا، حيث خرج أحد أبرز منظري هذا النظام مقترحا تشكيل تنظيم طلائع من الفتيان والفتيات ليكون جاهزا للسيطرة على البلاد عند انتهاء مدة حكم السيسي عام 2030.

الكاتب الصحفي ياسر رزق الذي يراه كثيرون الصحفي الأكثر قربا من السيسي، اقترح تشكيل التنظيم، الذي يحمل اسم "حركة 3 يوليو"، في إشارة إلى اليوم الذي أعلن فيه السيسي عندما كان وزيرا للدفاع عام 2013 عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي وتعطيل الدستور، مبررا ذلك بالاستجابة للإرادة الشعبية التي تجلت في مظاهرات جرت في الثلاثين من حزيران من العام نفسه.

وفي مقاله المنشور بصحيفة الأخبار السبت الماضي، لا يخفي رزق قلقه على مستقبل الحكم العسكري، بعد انتهاء الفترة المفترضة لحكم السيسي عام 2030، وفق التعديلات الدستورية التي مُررت العام الماضي.

ومددت التعديلات الدستورية رئاسة السيسي إلى عام 2024، كما سمحت له بالترشح لفترة أخرى تنتهي عام 2030، وجعلت الجيش وصيا على النظام السياسي بوصفه حاميا للدستور ومدنية الدولة، وهي التعديلات التي رفضتها المعارضة.

والمثير أن ياسر رزق نفسه هو من كان قد مهّد للتعديلات الدستورية بسلسلة مقالات دعا فيها إلى تعديل الدستور، بما يسمح بتمديد ولاية السيسي، ويضمن حماية الجيش لمكتسبات ما وصفها بثورة "30 يونيو".

ولاحقا، قال رزق إن التعديلات الدستورية ليست نهاية ما وصفه "بالإصلاح السياسي المطلوب".

حركة 3 يوليو

يقوم اقتراح رزق على تشكيل تنظيم يُمكّن السلطة من السيطرة على كل مفاصل الدولة الرسمية من مناصب ومجالس نيابية ومحلية، والمفاصل المدنية من حركات طلابية ونقابات مهنية واتحادات عمالية، حتى "تملك الشارع المصري فكريا وإعلاميا وعلى الأرض إذا لزم الأمر".

يتضمن اقتراح الكاتب -المعروف بتمرير رسائل النظام- أن يضم التنظيم فئات الأطفال والشباب والعمال والفلاحين، في استنساخ للتنظيم الطليعي السري الذي أسسه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وسيطر على كل مفاصل البلاد.

لا يقتصر رزق في مقترحه على الشباب -الذين بدأت عمليات استقطابهم عبر ما يعرف بالبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة- بل يمتد إلى الأطفال الصغار في المدارس الابتدائية والإعدادية، مرورا بطلاب المرحلة الثانوية وحتى الجامعة.

ولا يخفي أن هدفه من السيطرة الفكرية والتنظيمية على هذه الفئات العمرية هو أنهم محرك المجتمع ووقود الدولة، "وأصحاب الكلمة الفصل في صندوق الانتخاب وتقرير مستقبل البلاد".

حشد وقمع

ويعتبر أن أهم ما سينتج عن تشكيل هذه الحركة هو إكساب النظام القدرة على الحشد عبر مواقع التواصل، والتعبئة "ضد أي مخاطر على الأرض". في إشارة على ما يبدو إلى تكوين "كتائب قمع" لأي محاولة تظاهر أو اعتراض على النظام الحاكم.

ويبدو مشروع طلائع "3 يوليو" استكمالا وتوسيعا لفكرة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة الذي انطلق في سبتمبر/أيلول 2015، بمبادرة من السيسي نفسه، ويعقد له باستمرار مؤتمرات تحمل اسم الشباب، وتم اختيار بعض المنتسبين إليه مؤخرا نوابا للمحافظين، وصاحبت ذلك حملة دعائية لجذب منتسبين جدد للبرنامج.

وكشف تقرير لموقع "مدى مصر" في سبتمبر/أيلول الماضي أن خريجي البرنامج الرئاسي أصبحوا فريق التحرير الفعلي لسلسلة القنوات التلفزيونية المملوكة لجهاز المخابرات العامة، بموجب تكليف حصلوا عليه من القيادات اﻷمنية المتولية مسؤولية تلك القنوات، ومن يخالف تعليماتهم يكون مصيره الطرد، كما حدث مع الإعلامي أسامة كمال.

عناصر أمنية

تعليقا على المقترح؛ يرى الكاتب الصحفي محمد منير أن ياسر رزق يعمل مثل "فرق الاستخبارات التي تعمل وراء خطوط العدو، من أجل تمهيد الهجوم".

وأوضح منير عبر حسابه بموقع فيسبوك أن رزق بعدما ضمن بقاء الجنرال حاكما مدى الحياة، دخل في خطوته الثالثة لإنشاء تنظيم عنقودي تابع مباشرة لنظام الحكم، يضمن الاستمرار في الحكم لمن يراهم حمائم النهار في مواجهة ما يصفهم بصقور الظلام.وأضاف "الشكل سياسي والمحتوى أمني يستهدف تفريخ عناصر أمنية، ترهب المجتمع وتسيطر عليه، على غرار بعث صدام حسين، وجستابو هتلر، وسافاك شاه إيران".

بدوره، يعتبر الكاتب الصحفي قطب العربي مشروع طلائع "3 يوليو" فكرة مكملة للبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، الذي أنشئت من أجله أكاديمية خاصة، وتعقد له مؤتمرات الشباب في أماكن مختلفة بحضور السيسي شخصيا، حيث تم اختيار بعض خريجي هذا المشروع مؤخرا كنواب للمحافظين. وأضاف العربي -في مقال تعقيبا على دعوة رزق- "لكن هذا لا يعني أن النظام تمكن من صناعة طبقة شبابية مؤمنة به، ومستعدة للدفاع عنه، ولكنه صنع طبقة من المنتفعين والانتهازيين الذين يدافعون فقط عن مصالحهم الآنية، وليست مصالحالوطن والشعب، والذين سيضعون السيسي تحت أرجلهم إذا جاء الطوفان، كما فعل أسلافهم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك".