العدد 1401 / 19-2-2020

خلال الشهر الماضي، نشط الزعماء الإسرائيليون في السعي لإقامة علاقات أو تحالفات أوثق مع الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج والمغرب والسودان، التي يقال لنا بأنها قد رأت النور أخيرا عندما أدركت هذه الدول أن إسرائيل هي في الحقيقة، وخلافا لإيران، صديقة العرب وليست عدوتهم. يتم تقديم ذلك على أنه تعبير عن تغير كبير من جانب الأنظمة العربية، التي يُزعم دائما أنها تتجنب العلاقات مع المستعمرة- الاستيطانية الصهيونية دفاعا عن الفلسطينيين. لكن الواقع يكذّب هذه المزاعم جملة وتفصيلا، فمعظم الزعماء العرب، والأسر العربية الحاكمة، كانت تربطها علاقات ودية وثيقة مع إسرائيل، وقبلها مع الحركة الصهيونية، طيلة القرن العشرين.

وليس الإسرائيليون وحدهم مَن يقدّمون هذه الرواية الكاذبة، بل والأنظمة العربية نفسها، وكذلك المثقفون العرب المؤيدون لإسرائيل الذين يدّعون بأن رفض هذه الأنظمة لإسرائيل في السابق كان قرار خاطئا وغير منصف، وأن الحروب التي خاضتها هذه الأنظمة ضد إسرائيل نيابة عن الفلسطينيين كانت على حساب مصالحها "الوطنية" ومصالح الأنظمة الحاكمة، وقد أصبح من الواجب عليها، من الآن فصاعدا، أن تضع مصالحها الخاصة أولا وقبل مصالح الفلسطينيين، كما لو أنها كانت بالفعل قد أعطت الأولوية في السابق للمصالح الفلسطينية.

وهذا ما عبّر عنه القائد العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان مؤخرا بعد لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا قبل أسبوعين. ولم يكن هذا اللقاء الأول بين مسؤولين سودانيين مع إسرائيليين، بل سبقته لقاءات سرية تعود لفترة 1956-1957 جمعت بين الصادق المهدي والمسؤولين الإسرائيليين في إسطنبول، وبين رئيس الوزراء السوداني حينها عبد الله خليل وغولدا مائير في باريس. وفي وقت لاحق من عام 1983/1984، التقى الرئيس السوداني جعفر النميري بالإسرائيليين وسهّل نقل إسرائيل لليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل ليصبحوا مستوطنين مستعمرين في أرض الفلسطينيين.

ولقد كان رد البرهان عندما سئل عن اجتماعه الأخير مع نتنياهو وعن تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ بأن قرار إقامة علاقات مع إسرائيل يقوم على "المصالح الأمنية والقومية للسودان" التي تأتي أولا.

إن تاريخ علاقات قادة السودان مع إسرائيل ليس فريدا. يعود التعاون العربي الودي مع الصهاينة إلى فجر وصول القادة الصهاينة إلى فلسطين. ففي 3 كانون الثاني 1919، قبل أسبوعين من انعقاد مؤتمر باريس للسلام غداة انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقّع الأمير فيصل بن الحسين اتفاقا مع رئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم فايتسمان، وافق فيه على إنشاء أغلبية سكانية استعمارية- استيطانية يهودية في فلسطين مقابل أن يصبح ملكا لمملكة عربية كبيرة ومستقلة في جميع أرجاء بلاد الشام. لكن اتفاقه مع الصهاينة فشل نتيجة حرمان فيصل من عرشه السوري من قبل الاستعمار الفرنسي ، ومع ذلك استخدم الصهاينة هذا الاتفاق في مؤتمر باريس للسلام للادعاء بأن خططهم لاستعمار فلسطين حازت على موافقة الزعماء العرب.

وكي لا يتفوق عليه شقيقه، شرع الأمير عبد الله، حاكم شرق الأردن، في إقامة علاقة تعاون مع الصهاينة امتدت حتى نهاية حياته، على أمل أن يسمحوا له بأن يصبح ملكا على فلسطين وشرق الأردن معا، وتمكينه لهم من تحقيق أهدافهم الصهيونية في ظل حكم مملكته. وقد أدى تعاونه هذا إلى اغتياله في عام 1951.

أما حفيده الملك حسين، فقد أذن لأحد جنرالات جيشه بالاجتماع سرا مع الإسرائيليين في عام 1960 في القدس. وبحلول عام 1963، شرع الملك حسين بالاجتماع بنفسه مع الإسرائيليين سرا في مكتب طبيبه البريطاني اليهودي والصهيوني في لندن. وبحلول منتصف سبعينيات القرن العشرين، كان الحسين يجتمع سرا مع قادة إسرائيل بانتظام داخل إسرائيل نفسها. لقد كانت صداقة الحسين طويلة الأمد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين وكان حبّه له (ورابين هو القائد الإسرائيلي العسكري الذي طرد شخصيا السكان الفلسطينيين من مدينة اللد في عام 1948، وهو صاحب سياسة كسر عظام فلسطينيي الضفة الغربية وغزة في عام 1987) جليّا وظاهرا على وجه الحسين والملكة نور أثناء مشاركتهما في تشييع جنازة رابين في عام 1994. وقد كان التبرير الذي استخدمه الحسين لاتصالاته السرية مع الإسرائيليين هو الحفاظ على عرشه، والذي اعتبره مصلحة "وطنية" أردنية، في مواجهة ضغط جمال عبد الناصر ومن بعده ضغط منظمة التحرير الفلسطينية.

وبحلول أوائل الخمسينيات، كان الوطنيون التونسيون من حزب الدستور الجديد قد التقوا بممثلين إسرائيليين في الأمم المتحدة بهدف طلب مساعدتهم في الحصول على الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، غاضين الطرف عن أن إسرائيل هي أصلا مستعمرة استيطانية. وقد حافظ الديكتاتور التونسي الحبيب بورقيبة على هذه العلاقات الودية مع إسرائيل حتى نهاية حكمه عام 1987.

وفي واقع الأمر، ستكون أحر العلاقات في شمال إفريقيا هي العلاقة التي قامت ما بين إسرائيل وملك المغرب الراحل الحسن الثاني. فبينما التقى القادة الإسرائيليون مع مسؤولين مغاربة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كان يتعين على العلاقات الدافئة مع المغرب الانتظار حتى يعتلي الملك الحسن العرش. ومنذ عام 1960 فصاعدا، قام الإسرائيليون عبر اتفاقات سرية مع المغرب بنقل اليهود المغاربة جوا ليصبحوا مستوطنين مستعمرين في أرض الفلسطينيين.

وبحلول عام 1963، توصل الوزير المغربي محمد أوفقير إلى اتفاق مع الإسرائيليين لتدريب عملاء المخابرات المغاربة. كما ساعدت إسرائيل المغرب في تعقب معارضيها، بما في ذلك المهدي بن بركة، الذي قبضت عليه وقتلته المخابرات المغربية في عام 1965. وتوطدت العلاقة إلى درجة أن الملك الحسن دعا رئيس الوزراء اسحق رابين لزيارة المغرب سرا في عام 1976. وفي عام 1977، دعا الحسن موشيه ديان لزيارة البلاد أيضا. وبحلول عام 1986، لم يعد ثمة مبرر للسرية، فقام شمعون بيريز بزيارة المغرب علنا، وفي عام 1994، تبادل المغرب وإسرائيل رسميا مكاتب الاتصال. أما في عام 2018، فقد التقى نتنياهو سرا في الأمم المتحدة بوزير الخارجية المغربي لإجراء محادثات. وفي الأسابيع القليلة الماضية، عرض الإسرائيليون على المغاربة المساعدة في ضمان اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في مقابل تطبيع المغرب الرسمي للعلاقات مع إسرائيل وتأييدها لصفقة القرن.

علاقات الأنظمة العربية بإسرائيل، سواء أكانت عدائية أم ودية، لم تخضع أبدا لمصالح الشعب الفلسطيني، بل لمصالح الأنظمة الحاكمة

أما بالنسبة لحالة العشق الملتهب وعلاقة الحب الكبير بين النخب السياسية والتجارية المصرية مع إسرائيل، فهو شأن عام منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.

لقد رأينا وفودا وقادة ومسؤولين ورياضيين وسيّاحا إسرائيليين يزورون معظم دول الخليج علانية منذ عام 1991، بما في ذلك قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية سرا، ناهيك عن فتح مكاتب اتصال أو مكاتب تجارية لإسرائيل في هذه البلدان.