محمد أمين

بدأت يوم الاثنين المرحلة الثانية من الجولة الثامنة لمفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام، بعد أن رضخ الأخير لضغوط روسية، فأعاد وفده مرة أخرى إلى المدينة السويسرية، وسط انخفاض سقف الآمال بتحقيق أي اختراق في هذه الجولة من شأنه أن يعيد الاعتبار لهذه المفاوضات التي تبدو بمثابة مضيعة للوقت مع استمرار تمترس النظام خلف مواقف تقفز فوق قرارات الشرعية الدولية.
وتدرك المعارضة السورية أن النظام لن يعطي على طاولة التفاوض ما يدفع باتجاه إنجاز حلّ سياسي، متمسكاً بموقف يدعو المعارضة إلى تغيير خطابها ونهجها السياسي، وهو ما تعتبره الأخيرة استسلاماً لم يستطع النظام الوصول إليه في ميادين القتال طيلة سنوات. ومن المتوقّع أن يواصل وفد النظام نهجه في ايجاد الذرائع من أجل إفراغ مسار جنيف من مضامينه، إذ تصف المعارضة هذا النهج بـ«الخبيث»، مشيرةً إلى أن النظام قادر على فبركة الحجج والذرائع. وكان وفد النظام قد غادر جنيف، معترضاً على بيان الرياض 2 الذي أصدرته المعارضة أخيراً وشدّد على «عدم القبول ببقاء الأسد وزمرته في المرحلة الانتقالية».
وأشارت صحيفة «الوطن» التابعة للنظام، يوم الأحد، إلى أنّ رئيس وفد النظام بشار الجعفري «عبّر للمبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، وبشكل مباشر، عن امتعاض بلاده من تصرفاته الأخيرة، لا سيما موافقته على ما جاء في بيان مؤتمر الرياض 2، الذي يتضمّن شروطاً مسبقة، وعودة إلى المربع الأول من المفاوضات، الأمر الذي كان على المبعوث الأممي تجنبه أو رفضه إن كان جاداً في تقدم المفاوضات إلى الأمام». وفي إشارة إلى نيّة وفد النظام تمييع التفاوض، وتعطيله، قالت «الوطن» إن من غير المتوقع أن تشهد المرحلة الثانية من جولة جنيف الثامنة «اختراقات أو تقدماً، ما دام وفد الرياض متمسكاً بشروطه المسبقة ويدعمه بذلك دي ميستورا».
من جانبها، تدرك المعارضة السورية أن النظام ليس بوارد الانخراط بتفاوض حقيقي يفضي إلى حل سياسي نهائي، وهي أبقت وفدها في جنيف لتأكيد جدّيتها في حلّ القضية السورية وفق قرارات الشرعية الدولية. وفي هذا الصدد، أكد عضو وفد المعارضة، والمتحدث الرسمي باسمه، يحيى العريضي، أنه «لا أمل بتفاوض جدّي وحقيقي مع وفد النظام وما يمثله»، مشيراً إلى أنه «لا يتوقّع إعلان المبعوث الأممي أن النظام مسؤول عن تعطيل مسار جنيف، لأن ألاعيب النظام وقدرته الخبيثة على فبركة الحجج والذرائع كفيلة بإيهام العالم بأنه لا يعطل».
ومن المقرر أن تستمرّ المرحلة الثانية من جولة جنيف الثامنة حتى يوم الجمعة، إذ من المفترض أن يحاول المبعوث الأممي دفع الوفدين إلى مفاوضات مباشرة، ولكن المعطيات المتوفرة لا تشير الى إمكانية نجاح دي ميستورا في مسعاه الذي بدأه في الجولة السابقة وفشل، لأن النظام لا يعترف بوجود معارضة له، بل يرى المعارضين مجرّد «عصابات إرهابية مسلحة» يريد القضاء عليها عسكرياً.
وأشارت مصادر مطلعة مواكبة للتفاوض في جنيف إلى أن دي ميستورا «يأمل عقد جلسة واحدة بين الوفدين في محاولة منه لتأسيس نجاح يمكن أن يُبنى عليه في الجولة المقبلة»، موضحةً أن من المقرر أن يحمل وفد النظام معه ردّ الأخير على «ورقة المبادئ» التي قدمها الموفد الأممي للوفدين في بداية الجولة الثامنة، وأبدى وفد النظام تحفظاً عليها، متخذاً منها ذريعة للانسحاب من المفاوضات، كي لا يواجه استحقاقاتها، وفي مقدمتها الانتقال السياسي الذي يرفضه.
ورجحت المصادر ذاتها أن يجري دي ميستورا تقييماً للجولة الثامنة لتحديد مسؤولية كل طرف في عدم إحراز الجولة أيّ تقدم يذكر، مشيرةً إلى أن تمديد الجولة لتعويض الأيام التي تخلّف فيها النظام عنها «ليس وارداً»، مضيفةً أن «سقف الآمال بتحقيق اختراق حقيقي منخفض للغاية».
وتضمّنت الورقة التي سلّمها المبعوث الأممي إلى الوفدين في بداية الجولة الثامنة 12 سؤالاً يتعلّق بمستقبل سورية، لتمهيد الطريق أمام التفاوض بين النظام والمعارضة. وأكّد وفد المعارضة، في رده على أسئلة دي ميستورا، التزامه الكامل لسيادة الدولة السورية واستقلالها وسلامة حدودها ووحدتها «أرضاً وشعباً»، مشيراً إلى أنّ سورية يجب أن تكون «دولة ديمقراطية غير طائفية تقوم على المواطنة المتساوية، كما ينبغي أن تلتزم الدولة الوحدة الوطنية واللامركزية الإدارية، مع التركيز على التنمية الشاملة، والمتوازنة. كذلك، قالت المعارضة في ردها إن على الجيش التزام الحياد السياسي، وضرورة «إعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات الأمنية بحيث تكون مهمتها الحصرية صيانة الأمن الوطني وأمن المواطن، وتخضع للقانون وفق معايير احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وعدم تدخلها في حياة المواطنات والمواطنين اليومية، وحصر حق حيازة السلاح بأيدي مؤسسات الدولة المختصة».}