العدد 1667 /11-6-2025
مصطفى عبد السلام
قبل
أيام، ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب (78 عاماً) وهو يتعثّر على درج الطائرة،
قبل أن يمسك بالسلم بسرعة لمحاولة استعادة توازنه وتفادي السقوط، في مشهد لافت
أعاد إلى الأذهان تندُّره على سلفه جو بايدن. الحادث أثار سخرية وشماتة أعداء
ترامب السياسيين، وفي المقدمة الديمقراطيون وغيرهم، الذين اعتبروا أن الزعيم
الجمهوري الذي سخر طويلاً من تأثير السِّن على سلفه قد ذاق من نفس الكأس المرّ. بل
وانتشرت تعليقات ساخرة مثل: " حان الوقت لتجهيز العجوز ترامب بكرسي
متحرك".
تعثُّر
ترامب على سلّم الطائرة ليس سوى جزءٍ بسيط من تعثرات وإخفاقات أخرى للرجل الذي
حارب طواحين الهواء، خاصّة على المستويين الاقتصادي والسياسي، وكذا على مستوى
ملفات الهجرة وكبح التضخم والأسعار وعجز الموازنة، فمنذ دخول ترامب البيت الأبيض
في يناير الماضي وهو يواجه إخفاقات اقتصادية قد تؤثر سلباً على شعبيته وشعبية حزبه
إذا لم يتداركها خلال ما تبقى من ولايته.
أول
تعثر للرئيس الأميركي الحالي هو خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، إذ أعلنت
وكالة موديز العالمية، للمرّة الأولى منذ أكثر من 75 عاماً، خفض التصنيف إلى Aa1 من AAA؛
وغيرت نظرتها المستقبلية إلى سلبية من مستقرّة. موديز لم تكن الوكالة الأولى التي
تتخذ القرار الصادم لترامب وإدارته، فقد سبقتها وكالتا ستاندرد آند بورز وفيتش،
اللتان خفضتا تصنيف الولايات المتحدة في عامَي 2011 و2023.
خفض
التصنيف مثّل لطمة قوية لإدارة ترامب التي تباهت بقوة ومتانة الاقتصاد الأميركي،
ورفعت شعار "أميركا العظمى"، خاصّة أنه يعني تراجع مستوى الثقة في أقوى
اقتصاد في العالم وجدارته الائتمانية، كما يعني ارتفاع تكلفة التمويل ومستويات
الدين العام والمخاطر طويلة الأجل التي تواجه الاقتصاد الأميركي، وتنامي القلق
بشأن المركز المالي للدولة وعجز الموازنة المتنامي بصورة سريعة.
ثاني
تعثر لترامب يتعلق بزيادة المخاوف من إفلاس الولايات المتحدة في ظل ضخامة أعباء
الدين العام والعجز المالي، ووقوع الاقتصاد الأميركي في فخ الديون ومستنقعها
العفن، هذه المخاوف عبّرت عنها بنوك استثمار دولية كبرى، كما عبّر عنها الملياردير
إيلون ماسك، الذي قاد وزارة الكفاءة الحكومية DOGE، في حكومة ترامب، وأكد مرات
عدّة أن الولايات المتحدة متجهة نحو الإفلاس، وأن خفض النفقات الفيدرالية ليس
خياراً بل ضرورة. وحذر مرات من أنّ الولايات المتحدة ستفلس من دون اقتطاعات في
الموازنة العامة، وأن إفلاس أكبر اقتصاد في العالم ليس مقبولاً، ودعا الأميركيين
إلى الضغط على المشرّعين لرفض مشروع قانون ترامب الرئيسي للضرائب والإنفاق، كما
شهدت الولايات المتحدة في عام 2024 أعلى معدل إفلاس للشركات منذ عام 2010، وهو أمر
يثير قلق قطاع الأعمال الأميركي.
التعثر
الثالث لدونالد ترامب ظهر في ملف الحرب التجارية التي قادها ضدّ كل دول العالم منذ
اللحظات الأولى لدخوله البيت الأبيض، عبر فرض رسوم جمركية عالية بهدف حصد
تريليونات الدولارات للخزانة العامة الخاوية، والحد من الواردات الخارجية، وتشجيع
المنتج المحلي وزيادة الصادرات، ونقل الاستثمارات الخارجية للداخل، إلّا أن ترامب
لم يحقق معظم الأهداف السابقة، بل تعثر في فرض الرسوم على معظم دول العالم، وفشل
في إخضاع الصين وكندا واليابان وغيرها من الاقتصادات الكبرى لابتزازاته التجارية.
كما فشل في حصد الحصيلة المالية الضخمة التي خطط لها.
التعثر
الرابع جاء من ولاية كاليفورنيا التي تشكّل العمود الفقري للاقتصاد الأميركي، إذ
تحتضن قطاعات رئيسية، منها: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات "وادي
السيليكون"، والزراعة، وأنشطة الترفيه "هوليوود" وإنتاج الأفلام،
اللذان يدران أكثر من مئة مليار دولار سنوياً، إلى جانب قطاع التصنيع والتصدير.
ومع
اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في لوس إنغلوس، وتحوّلها إلى أعمال عنف باتت ولاية
كاليفورنيا مصدر قلق لصانع القرار في الولايات المتحدة، وإدارة ترامب التي تخشى
تأثير تلك القلاقل والمخاطر المتنامية على الاقتصاد الأميركي، خاصة أنه سبق
للولاية أن طالبت بالانفصال عن الولايات المتحدة، كما تعرضت لحرائق ضخمة في يناير
الماضي نتج عنها خسائر قدرت بنحو 275 مليار دولار.
التعثر
الخامس تمثل في إخفاق ترامب في خفض أسعار الفائدة، وفشله في الضغط على البنك
الفيدرالي للتخلي عن السياسة النقدية المتشدّدة، صاحَب ذلك الإخفاق تراجع سعر صرف
الدولار أمام العملات الرئيسية وفي مقدمتها اليورو والجنيه الإسترليني، وعودة شبح
التضخم وارتفاع الأسعار، وتراجع القوة الشرائية وبقاء أسعار الفائدة عند مستويات
عالية.
التعثر
السادس تمثل في تزايد موجة هروب الأموال والمستثمرين من الولايات المتحدة إلى
الخارج، خاصّة من سوق الأسهم في وول ستريت، وكذا من أدوات الدين كالسندات
والدولار، والبيع الجماعي وتسييل الأصول، مع تصاعد مستوى المخاطر وحدّة التقلبات
المالية داخل أسواق المال، وتراجع الثقة في قدرة الولايات المتحدة على الوفاء
بالتزاماتها المالية وتغطية عجز الموازنة، حتى على المدى الطويل، في مشهد لم
يتكرّر منذ عقود، مع تزايد الهجرة العكسية بسبب مخاوف الركود والكساد.