بسام ناصر

بات من المتداول في المنتديات الحوارية، ومواقع التواصل الاجتماعي، توصيف التقارب الأمريكي الإيراني باعتباره «تقريباً للإسلام الشيعي» في مقابل «تحجيم الإسلام السنّي»، بعد أن وجدت أمريكا في «إسلام الشيعة» بديلاً من «إسلام السنّة» في لعبة إدارتها لأزمات المنطقة من أجل المحافظة على مصالحها الدائمة. 
عبّر أحد نشطاء «فيسبوك» عن ذلك بقوله: «من أهم أهداف أمريكا تحجيم «الإسلام السنّي» من خلال السماح للمشروع الإيراني بالتمدد في المنطقة». ورأى آخر أن الأمر بعد الاتفاق الأمريكي الإيراني بات واضحاً، «فأمريكا وجدت في (الإسلام الشيعي) بديلا من (الإسلام السنّي)».
وإمعاناً في الاستناد إلى البعد المذهبي في التحليل، قارن ثالث بين جهاد إيران الذي اعتبره «جهاداً صوتياً» يكتفي بترديد «الموت لأمريكا وإسرائيل»، من غير أن تسجل حادثة واحدة نفذها إيرانيون ضد أمريكا، في الوقت الذي تنسب كل العمليات المستهدفة لأمريكا ومصالحها لأهل السنة، معقباً بأن «الرسالة الأمريكية أصبحت واضحة».
وبحسب قراءة الناشط «السنّي» فإن الرسالة الأمريكية تقول: «إما أن نتخلى عن الإسلام بجميع اتجاهاته (وهابي، إخواني..) أو سنواجه مصير إيران (الفارسية)، فأمريكا صبرت علينا وعلى تطرفنا، وتصدير الانتحاريين ليس حباً فينا، ولكن لعدم وجود البديل.. الآن البديل أصبح متوفراً.. إنه إيران». 
ووفقاً لباحثين ومحللين، فإن تلك الرؤى والمقولات تصدر من رحم الأجواء المشحونة بالصراع الطائفي المتأجج في المنطقة، والمسكون بالخلافات العقائدية المتجذرة بين السنة والشيعة، والمشبع بالعقد التاريخية التي ما زالت حاضرة بقوة في الصراعات الراهنة. 
أمريكا والعلاقات المذهبية
كيف ينظر المحللون وأساتذة العلوم السياسية إلى تلك الرؤى والمقولات، التي تنطلق من منطلقات عقائدية صارمة، مع تغييبها إلى حد كبير للعوامل الأخرى (سياسية واقتصادية واستراتيجية)؟
وصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، وليد عبد الحيّ، تلك «الفرضية» بأنها غير دقيقة ولا علمية، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقيم علاقاتها مع الدول استناداً إلى المذهب الديني لهذه الدولة أو تلك.
وأضاف: «يمكن شرح القضية ببساطة، فالذي يحدد التوجهات السياسية لأمريكا في علاقاتها الخارجية مع كل دول ومناطق العالم المختلفة، هو سعيها الدائم للمحافظة على مصالحها الخارجية، بالتفاعل مع ظروفها الداخلية، في إطار بنية نظامها السياسي الحاكم».
واسترجع عبد الحيّ طبيعة العلاقات السابقة بين أمريكا وإيران، بأن الأولى كانت تحاصر الثانية، وتضيّق الخناق عليها، لافتاً إلى أن أمريكا كانت تشكل تهديداً حقيقياً وجدياً لإيران، واحتمال ضربها عسكرياً سواء من قبلها، أو بواسطة إسرائيل أو هما معاً كان وارداً.
وتابع عبد الحيّ: «ونظراً إلى فشل تلك الاستراتيجية في محاصرة إيران، بسبب تمكنها من إيجاد بدائل في علاقاتها الدولية، من خلال تطوير علاقاتها مع روسيا، ومع دول شنغهاي، حتى مع بعض الدول الأوروبية والأفريقية والعربية، شعرت أمريكا بأن استراتيجيتها لن تؤدي إلى النتائج المأمولة من خلال الحصار والحرب الإعلامية».
وأوضح عبد الحي أن ما جعل أمريكا تغير موقفها من إيران فيما بعد هو متغيرات السياسة وتقلباتها، وليس العوامل الدينية المذهبية، لافتاً إلى أن أمريكا توظف البعد المذهبي حيث ينفعها، لكنه ليس هو المعيار الذي يحدد مواقفها وسلوكها السياسي الخارجي. 
في السياق ذاته، تطابق رأي الكاتب والمحلل السياسي المصري، فهمي هويدي، مع رأي أستاذ العلوم السياسية الأردني، الذي أكد أن أمريكا تبحث عن مصالحها، من غير تمييز منها في تعاملها مع السنة أو الشيعة أو الدروز أو غيرهم. 
ولفت هويدي إلى أن أمريكا لا يمكن أن تنسى أن الذين قاموا بتفجيرات 11 سبتمبر هم من السنّة، وأن من احتجز موظفي سفارتها في طهران كرهائن هم من الشيعة، وأن الشيعة ينابذونها العداء في خطابهم وخطبهم ويدعون عليها بالموت منذ ما يزيد على ثلاثين سنة. 
وجواباً عن سؤال حول تقويمه لما يقال من أن أمريكا انحازت إلى «المذهبية الشيعية» في سعيها إلى تحجيم «الإسلام السنّي»، شكك هويدي في هذه المقولة، فأمريكا أولاً وأخيراً تنحاز إلى مصالحها، المتمثلة في المحافظة على أمن إسرائيل، والنفط، وهي، وفقاً لذلك تراهن على القوى التي تخدم مصالحها، وتحافظ عليها، وهذا هو معيارها في مواقفها وسياساتها الخارجية. 
ظاهرها مذهبي وباطنها سياسي
بدوره أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، شفيق الغبرا، أن الخلافات بين السنة والشيعة في جوهرها وحقيقتها خلافات سياسية، وإن ألبسوها ثوباً مذهبياً، وأخذت طابعاً مذهبياً، وبالتالي فما يترتب عليها وينتج منها هو سياسي بالضرورة، وإن كان الصوت المذهبي هو الأعلى.
وتحفظ الغبرا على من يتخذون المعيار المذهبي أداة للتحليل وتقويم المواقف، إذ إن واقع الأمر كما يراه ليس كذلك، فليست القضية صراعاً بين الإسلام السنّي والإسلام الشيعي، بقدر ما هو واقع استبداد، وواقع معارض للاستبداد، وواقع ظلم، وآخر معارض له، فقد تجد سنّة مع الاستبداد، وشيعة ضد الاستبداد، وقد تجد شيعة مع الظلم، وسنّة ضده، والعكس صحيح.
من جانب آخر، يجادل من يرى أن أمريكا انحازت إلى «الشيعة» في سعيها إلى تحجيم «السنّة» بأنها وجدت في إيران دولة محورية تستطيع ضبط مسار الجماعات والحركات الشيعية في المنطقة، لأنها تأتمر بأمرها، وتتقيد تماماً بتعليماتها، على عكس جماعات واتجاهات أهل السنة المختلفة التي تفتقر إلى رأس يحكمها ويضبط مساراتها، وهو ما دفع أمريكا إلى الانحياز إلى إيران والابتعاد عن دول «الإسلام السنّي».
علق الغبرا على ذلك الرأي، بأنه يمثل رؤية سياسية بامتياز، وليست مذهبية بأي حال، فأمريكا لا تهمها نوعية التدين والتمذهب، بقدر ما يهمها البحث عن قوى قادرة على ضمان مصالحها، وهو ما تراهن عليه، ولا حضور للبعد المذهبي في سلوكها السياسي الخارجي إلا بالقدر الذي يخدمها في تحقيق مصالحها الحيوية.