العدد 1422 / 22-7-2020
محمد عبد الله

لم تكن تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باعتبار سرت والجفرة وسط ليبيا خطا أحمر لقوات الوفاق الحكومية يجب عدم تجاوزه إلا إعلانا عن فشل مشروع اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ببسط نفوذه على كامل أراضي ليبيا.

لكن التصريحات -بحسب سياسيين ومحللين- حملت دلالة أخرى أكثر خطورة، فهي تبدو نواة لمشروع تقسيم ليبيا المترامية الأطراف إلى 3 أقاليم، وهي برقة في الشرق، وفزان بالجنوب، وطرابلس في الغرب، ولكن حتى وفق هذا التقسيم فإن سرت والجفرة ليستا تابعتين للشرق وإنما جزء من إقليمي الغرب والجنوب.

تصريحات السيسي -التي لاقت رفضا واسعا من قبل حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، وردّت بالقول إن ليبيا كلها خط أحمر- كانت محل ترحيب من السعودية والإمارات في بيانين منفصلين سريعين أكدتا فيهما على دعمهما ما جاء في كلمة السيسي قلبا وقالبا.

كما لقيت تصريحات السيسي ترحيبا داخليا من جانب أنصاره في مصر، داعين إلى التوحد خلف الجيش وقيادته، معتبرين الأمر متعلقا بأمن مصر القومي.

وكان السيسي قد اعتبر أن "أي تدخل مباشر من الدولة المصرية (في ليبيا) باتت تتوفر له الشرعية الدولية، سواء بحق الدفاع عن النفس، أو بناء على طلب السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في ليبيا.

وفي كلمة متلفزة أدلى بها السبت عقب تفقده وحدات من القوات الجوية بمحافظة مطروح المتاخمة للحدود مع ليبيا، قال السيسي مخاطبا قوات من الجيش "كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة هنا داخل حدودنا، أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا".

واعتبر السيسي أن تجاوز مدينتي سرت (شمال وسط ليبيا) والجفرة (جنوب شرق العاصمة طرابلس) خط أحمر.

لكن تركيا عقبت على كلمة السيسي بأن التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا يتطلب انسحاب "مليشيات" خليفة حفتر من مدينة سرت الإستراتيجية، وفق المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن.

وأضاف قالن "في المرحلة الراهنة تعتبر حكومة الوفاق في طرابلس -ونحن ندعمها في ذلك- أن على جميع الأطراف العودة إلى مواقعها في عام 2015 حين تم توقيع اتفاق الصخيرات السياسي في المغرب"، مما يعني أن على قوات حفتر أن تنسحب من سرت والجفرة.

بعد أمني للنظام

تحديد السيسي لسرت والجفرة في منتصف ليبيا على أنهما خط أحمر لمصر يخدم مصالح النظام الحالي، لكن تقسيم ليبيا لا يخدم الأمن القومي المصري مطلقا، هذا ما ذهب إليه الباحث في الشؤون العسكرية المصرية محمود جمال. وأكد جمال أن فشل مشروع حفتر في السيطرة على ليبيا وتراجعه إلى الشرق الليبي قد يدفعان السيسي لاقتطاع هذا الجزء وحمايته عسكريا حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم ليبيا.

وأشار إلى أن نظام السيسي ينظر إلى منطقة شرق ليبيا المتاخمة للحدود الغربية المصرية على أنها منطقة أمن للنظام، خاصة بعد أن وصلت لها جماعات مسلحة مصرية، لذلك لا يمكن أن يكون هناك أي مشروع سياسي يخالف رؤية النظام المصري.

ورهن جمال التدخل المصري العسكري بتجاوز قوات الوفاق مدينة سرت، وعدم إحراز أي تقدم سياسي خلال الأشهر القليلة المقبلة، قائلا إن "السيسي سيسعى للحفاظ على مشروع حفتر في المنطقة الشرقية عسكريا حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم ليبيا نظريا، فالمنطقة الشرقية تضم حقول النفط والغاز، وهي ثاني أهم دوافع النظام المصري".

بدوره، حذر أستاذ العلوم السياسية عصام عبد الشافي من تداعيات مسلسل تفكيك المنطقة، قائلا إن "ما أعلن عنه قائد الانقلاب العسكري في مصر هو إعلان صريح ومباشر عن أحد أهم أهداف أجندة محور الثورات المضادة في المنطقة، وهو التفكيك والتدمير".

وأكد عبد الشافي أن السيسي عندما وصف سرت والجفرة بأنهما خط أحمر رغم أنهما تبعدان عن الحدود السياسية لمصر نحو ألف كلم فهو يسعى نحو ترسيخ الانقسام الذي عمل عليه منذ اليوم الأول لانقلاب حفتر، لأن رهان هذا المحور على نموذج حفتر، وليس على شخصه، بحيث لو سقط حفتر لديهم ألف حفتر، ولو على حساب وحدة وسلامة الأراضي الليبية.

وأضاف أن حشد القبائل، واستدعاء نموذج الصحوات الذي تبنته الولايات المتحدة في العراق وتبناه السيسي في سيناء يعنيان ورقة من أوراق التفكيك والتقسيم، مشيرا إلى أن السيسي هو إحدى أدوات هذا المحور لاستنساخ النموذج الذي تقوم به الإمارات في اليمن الآن.

في المقابل، شدد المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء عادل العمدة على أهمية سرت والجفرة للأمن القومي المصري.

وقال العمدة في تصريحات صحفية "إن مدينة سرت تتميز بعدة اعتبارات، منها نفطي واقتصادي، فضلا عن قربها من الطريق الساحلي الذي يربط ليبيا بالحدود المصرية".