محمد مصطفى العمراني

احتفل الحوثيون وأنصارهم في العاصمة اليمنية صنعاء يوم الخميس 21 أيلول بمناسبة مرور ثلاثة أعوام على سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 أيلول 2014م ، لقد مرت ثلاثة أعوام منذ غياب الدولة اليمنية وقيام سلطة الأمر الواقع المشكلة من الحوثيين وحزب المؤتمر في 11 محافظة في شمال اليمن وأجزاء من ست محافظات أخرى وبهذه المناسبة سنلقي الضوء على أبرز ملامح المشهد اليمني بعد ثلاث سنوات من الحرب.
 تقدم محدود للشرعية، واستنزاف للجميع منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن وما تبعها من التدخل العسكري لـ«التحالف العربي لدعم الشرعية» بقيادة السعودية في 26 آذار 2015م، سيطرت قوات الجيش الوطني مسنودة بالمقاومة الشعبية ومدعومة بإسناد قوات التحالف العربي على الكثير من المناطق في المحافظات الجنوبية أبرزها مدينة عدن ومدن زنجبار وعتق والحوطة ومناطق أخرى في الجنوب، كما خسروا مدينة المخاء ومحيطها، وهي منطقة حيوية في سواحل محافظة تعز، كما خسروا مناطق كثيرة في مأرب والجوف وغيرها، ولكنهم ما يزالون يسيطرون على مواقع هامة في محافظات جنوبية مثل لحج وشبوة، وفي محافظات شرق اليمن مثل الجوف ومأرب، وفي تعز التي يبدو أن هناك قراراً من التحالف بعدم الحسم العسكري فيها واستنزاف مختلف الأطراف وفي مقدمتهم حزب الإصلاح، كما لا تزال الحرب مشتعلة في جبهات عديدة وأهمها جبهات تعز وجبهة الحدود اليمنية السعودية، في ظل توجه من التحالف لتحويلها لحرب استنزاف بلا أفق. 
 تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية
بعد ثلاث سنوات من الحرب تدهورت الأوضاع الإنسانية والصحية والاقتصادية في اليمن بشكل مخيف، ودفع المدنيون الثمن الغالي للحرب، والكارثة الكبرى هي انقطاع رواتب أكثر من مليون موظف يمني لمدة تزيد على عام، وهو ما يعني انزلاق أكثر من سبعة ملايين نسمة من السكان إلى حافة الفقر المدقع، ولا تزال تحويلات أكثر من مليوني مغترب يمني تعيل ملايين الأسر في اليمن، وتحول دون حدوث مجاعة شاملة باليمن.
تفيد التقارير الصادرة عن الحكومة والمنظمات المدنية بأن أكثر من ثلاثة ملايين يمني نزحوا لمناطق داخل اليمن أغلبهم من محافظة تعز، وأكثر من مليون ونصف نزحوا إلى خارج اليمن كما توفي أكثر من ألفي شخص بوباء الكوليرا، وبلغت الحالات المشتبه بإصابتها بالوباء أكثر من نصف مليون حالة، كما قتل أكثر من 14 ألفاً وجرح أكثر من 30 ألفاً من المدنيين بسبب الحرب، وهذه الأرقام مجرد عيّنة من الأرقام المفزعة والإحصائيات المخيفة التي تجمّل المشهد الاقتصادي والإنساني والصحي المتدهور في اليمن.
 ورغم أن المنظمات الدولية والإنسانية تواصل جهودها المحدودة وتواصل رفع التقارير عن الأوضاع الإنسانية وتوصلها للأمم المتحدة والمجتمع الدولي وتنشرها في مختلف وسائل الإعلام، إلا أن هذه المنظمات وهذه التقارير عن الأوضاع الإنسانية في اليمن لم تستطع تشكيل رأي عام عالمي يضغط بقوة لإيقاف الحرب في اليمن، كما لم تنجح دعوات الدول والمنظمات الإنسانية في فتح مطار صنعاء لتخفيف معاناة المدنيين رغم وفاة الآلاف من المرضى الذين كانوا يحتاجون للعلاج في الخارج وبقاء الآلاف من العالقين اليمنيين في الخارج بانتظار فتح المطار. 
 انسداد للأفق السياسي
تعثرت المفاوضات بين الأطراف السياسية اليمنية التي جرت جولاتها خلال الثلاث السنوات الماضية في جنيف بسويسرا وفي دولة الكويت، وذلك لتمسك كل طرف بشروطه وانعدام الثقة بين مختلف الاطراف وعدم تقديم أي طرف لأي تنازل حقيقي، فالشرعية تطالب تحالف الحوثي والمؤتمر بتسليم السلاح الثقيل والانسحاب من المناطق التي يسيطرون عليها والانصياع للحوار السياسي وفق المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية - مخرجات مؤتمر الحوار - قرارات مجلس الأمن) وهو ما يعتبره تحالف الحوثي وصالح استسلاماً وتسليم لرقابهم للطرف الآخر.. ويبدون استعدادهم للحوار السياسي بلا شروط، ويقدمون مبادرات تراها الشرعية التفافاً على المرجعيات الثلاث والحقيقة أن الحوثيين لا يريدون التفريط بالمكاسب التي حققوها بقوة السلاح خلال السنوات الماضية حيث يريدون الحفاظ عليها إضافة إلى ضمانات دولية بنيلهم للتمثيل المطلوب في السلطة في المرحلة القادمة. 
المشكلة الحقيقية أنه لا يوجد أي أفق أو نهاية سياسية لهذه الحرب، حيث تؤكد كل المؤشرات على أرض الواقع أن الحرب في اليمن ستتواصل فترة أطول مما توقع الجميع، رغم تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في مختلف المجالات وبشكل مخيف.
وبخصوص الوضع السياسي في الجنوب فإن المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي وفصائل جنوبية أخرى مثل الحراك الجنوبي بقياد العميد ناصر النوبة والحراك الجنوبي بقيادة حسن باعوم وغيرهم، كانت وما زالت تسعى لفك الارتباط بين الشمال والجنوب، إلا أن صوتها خفت مؤخراً بينما تطرح الحكومة الشرعية اليمن الاتحادي كحل وسط بين الوحدة الاندماجية والانفصال الكامل. 
 إضعاف الشرعية 
هناك مفارقات في المشهد اليمني، فالمناطق التي يسيطر عليها تحالف الحوثي والمؤتمر أكثر أمناً واستقراراً من بعض المناطق التي تسيطر عليها الشرعية وخصوصاً العاصمة المؤقتة عدن رغم تحسن الوضع الأمني فيها، وعند دراسة هذه الظاهرة فإن عوامل عديدة - بحسب المراقبين - حالت دون تمكن الشرعية من تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة وإعادة هيبة الدولة فيها وتوفير الخدمات وصرف الرواتب بشكل منتظم للموظفين، وأبرزها عرقلة دولة الإمارات للحكومة الشرعية بعدن خصوصاً وفي الجنوب عموماً، ما ادى إلى إضعاف الشرعية وتعقيد المشهد السياسي. 
من الواضح أن السعودية رغم قيادتها للتحالف فقدت فعاليتها على الأرض لمصلحة الإمارات، التي أظهرت مستجدات الواقع أن لها أجندة وأهدافاً لا تتوافق مع أهداف الشرعية، بل وتعارض معها، حيث وصل الأمر إلى قصف طيران الإمارات لقوات الحماية الرئاسية الموالية للشرعية بعدن، وهو ما ينذر بتداعيات خطيرة وتعقيدات إضافية للمشهد العسكري والسياسي باليمن.
 إخراج التحالف لدولة قطر من «تحالف دعم الشرعية» باليمن والخلافات الخليجية، كشفت بدورها عن ملفات وأجندة خفيّة لدولة الإمارات في اليمن، وهو ما تناولته الآلة الإعلامية الضخمة الموالية لقطر مثل الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام.}