عثمان المختار


تجاوز العراق المأزق السياسي بعد الاعتراضات والاحتجاجات الواسعة على تأخر التعديلات على حكومة حيدر العبادي، التي تُوجت باعتصام زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وأنصاره للمطالبة بتعديلات على الحكومة، وهو ما تحقق بتقديم العبادي تشكيلة حكومية جديدة، جاءت بمعظمها من التكنوقراط باستثناء وزيري الدفاع خالد العبيدي والداخلية محمد الغبّان، اللذين حافظا على منصبيهما. ومع انقضاء يوم كامل على تسليم العبادي تشكيلته الوزارية التي سرعان ما سُربت أسماء الوزراء المرشحين فيها، لم يسجل أي من أعضاء البرلمان اعتراضه على التشكيلة، في دلالة اعتُبرت أنها توافق بين رؤساء الكتل أو تجنباً للوقوع تحت طائلة تهديدات مقتدى الصدر، الذي لوّح بسحب الثقة عن الحكومة وتصعيد أكبر في حال رَفض هذه التشكيلة بعد عشرة أيام من موعد تقديم التشكيلة. وواصل أتباع التيّار الصدري، يوم الجمعة، تظاهراتهم المطالبة بتمرير التشكيلة الحكومية الجديدة. وخرج المئات من أتباع التيار في بغداد وسط ساحة التحرير وعدد من المحافظات الجنوبيّة، منها ميسان والنجف وكربلاء وواسط، وأكدوا أنّهم «سيستمرون بالتظاهرات حتى إقرار البرلمان للحكومة الجديدة».
وجاءت معظم التعليقات مرحبة بالتشكيلة الجديدة، إذ وصف وزير التخطيط العراقي الحالي سلمان الجميلي، الذي أقيل من منصبه وفقاً للتعديل الجديد، ما حصل بأنه انتصار ديمقراطي ويأتي استجابة للشارع، ويجب على الجميع التعاون لإنجاحه. فيما وصف النائب عن «اتحاد القوى» حامد المطلك ما تحقق بأنه مُرضٍ وفيه خير للجميع، مضيفاً   أن «الحكومة الجديدة تبعث على التفاؤل ويجب ألا ننظر إلى هوية الوزراء لكونهم أهل اختصاص قبل كل شيء».
من جهته، اعتبر القيادي في التيار الصدري حسين البصري التشكيلة الجديدة بأنها ثمار جهود وصبر العراقيين، مؤكداً في حديث لـ«العربي الجديد» أن «ذلك لن يكون نهاية المطاف، وعلى الوزراء الجدد إتمام عملهم على أحسن وجه أو المغادرة كسابقيهم»، واصفاً الحال اليوم بأن «الحكم سينتقل تدريجاً وفق رغبة الشارع وليس وفق رغبة سكان المنطقة الخضراء».
من جهته، اعتبر عضو حزب «الدعوة» الذي يتزعمه نوري المالكي، فاضل الساعدي، ما جرى من تعديل بأنه سيكون تحت المراقبة للنظر في نجاح الوزراء الجدد، لافتاً إلى أن تاريخ الشخصيات المرشحة للوزارات جيد، «لكن يبقى أداؤها هو الفيصل».
 بدوره، قال النائب محمد الجاف إن «الوزراء المرشحين يحظون بقبول شعبي، ويبدو أن اختيارهم تم على أساس ذلك»، معتبراً أن «العراق خرج من مرحلة صعبة في الحكم كان يتم فيها حصر الوزراء بشخصيات معينة، وانتقل إلى إحضار وجوه جديدة». وأضاف: «لدينا شخص واحد تولى خمس وزارات على التوالي منذ الاحتلال وحتى الآن، مرة وزير داخلية، ومرة وزير مالية، ومرة وزير تخطيط، وأخرى للنقل والمواصلات، ومرة وزيراً للأمن الوطني، وهذا أمر غير منطقي، لكن الآن كُسرت القاعدة». ووصف ضغوط الصدر والأزمة المالية في البلاد وفضائح الفساد بأنها «المحرك الرئيس لما حدث».
أما المحلل السياسي في جامعة صلاح الدين، صالح العيداني، فرأى أن التشكيلة الحكومية فيها رسائل للداخل والخارج، مشيراً إلى أن «هناك مرشحين في التشكيلة الحكومية لهم مواقف معادية من إيران أو متقاطعة، وهناك وزراء علمانيون، وآخرون مستقلون، وهذا أمر مهم جداً، فوجود وزير خارجية مثل الشريف علي بن الحسين يريح الدول العربية وخصوصاً الخليج، بدلاً من إبراهيم الجعفري ومن قبله هوشيار زيباري». ولفت إلى أن فيها وزراء مرشحين «لهم علاقات طيبة مع دول أوروبية بحكم عملهم السابق، ومن المؤمل أن يقوموا بشيء جديد للعراق على مختلف المستويات». ولكنه اعتبر أن «المهمة لن تكتمل من دون إتمام المرحلة الثانية وهي تغيير وكلاء الوزراء ورؤساء الهيئات السيادية والعامة، منها رئاسة مجلس القضاء ورئاسة مفوضية الانتخابات والبنك المركزي».
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر سياسية عراقية أن اللجنة المكلفة في البرلمان العراقي بدأت بمراجعة السير الذاتية للوزراء المرشحين في التشكيلة التي قدّمها العبادي لرئاسة البرلمان. ووفقاً لبرلمانيين عراقيين، فإن اللجنة باشرت مراجعة سير الوزراء المرشحين، وستقدّم تقريراً مغلقاً بكل شخصية منهم إلى رئيس البرلمان بغية عرضها يوم التصويت على الحكومة الجديدة للموافقة عليها أو طلب استبدالها.
ويلاحظ في التشكيلة الجديدة للحكومة، أن غالبية أسماء المرشحين للتوزير، جديدة غير معروفة على ساحة العمل السياسي ومن ذوي الاختصاص. إلا أنه وفقاً لمراقبين عراقيين، فإن ذلك سيكون مقلقاً في حال عدم حصول الوزراء المرشحين على دعم من قِبل رئيسي الحكومة والبرلمان بسبب عدم تغيير طواقم الوزارات العليا التي تعمل منذ سنوات طويلة وتتبع بالعادة لأحزاب سياسية مختلفة غالبيتها دينية.