العدد 1443 /30-12-2020

يقف حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، اليوم، على أعتاب مرحلة جديدة قد تدفع في اتجاه إعادة النظر في مرجعيته، وتؤثر على شعبيته وحظوظه في الاستحقاقات الانتخابية المقررة صيف 2021، وسط مخاوف من تصدع داخله، في ظلّ تباين المواقف في صفوفه من خطوة إعادة العلاقات بين المغرب وإسرائيل.

ومنذ العاشر من ديسمبر/كانون الأول الحالي، تاريخ إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن الاتفاق على استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، يعيش "العدالة والتنمية" على صفيح ساخن، جراء تباين مواقف هيئاته التنظيمية التي لم تستفق بعد من صدمة خطوة التطبيع، بين موقف رافض لها عبّرت عنه كل من حركة "التوحيد والإصلاح"، الذراع الدعوية للحزب، والتنظيم الشبابي، وآخر تجنّب إعلان موقف صريح مباشر تمثّل بالأمانة العامة للحزب.

وفيما وجدت قيادة الحزب، الذي يبني عقيدته السياسية منذ نشأته على رفض التطبيع، نفسها في موقف محرج أمام قواعدها والرأي العام، وهي تصطدم بقرار استئناف العلاقات مع تل أبيب، ألقى توقيع الأمين العام لـ"العدالة والتنمية"، سعد الدين العثماني، بصفته رئيساً للحكومة، على الإعلان الثلاثي بين الرباط وواشنطن وتل أبيب، بظلاله على الحزب، ووصل إلى حد المطالبة بإقالته والدعوة إلى مؤتمر استثنائي للإطاحة به من على رأس الحزب.

وبدا أنّ الارتباك سيد الموقف، إذ لم يستطع "العدالة والتنمية" حسم موقفه خشية انفجار الأمور في حال عقد برلمان الحزب (المجلس الوطني)، وهو ما كان مقرراً الأحد الماضي، ولكن تم التراجع في آخر لحظة عن الخطوة بدعوى أن "الوقت غير مناسب" لها، وذلك بالتزامن مع حديث عن تهديد الأمين العام بالاستقالة. وبقدر ما كان إرجاء عقد المجلس الوطني من دون تحديد موعد جديد لتنظيمه، مرده إلى أنّ مخرجات الاجتماع لم تكن لتسهم في الحل، إلا أنّ الثابت وسط مرحلة الارتباك هذه، والتقاطع السياسي والشعبي، أنّ التوتر التنظيمي الذي أحدثه التطبيع لن يتوقف، وأن ما قبل هذه المرحلة ليس كما بعدها بالنسبة للحزب الإسلامي الذي كان يمني النفس بقيادة حكومة ما بعد انتخابات 2021، في مؤشر على استمرار عنفوانه السياسي الذي بدأ مع لحظة 20 فبراير/شباط 2011 (النسخة المغربية من الربيع العربي) وتوج بقيادة حكومتين متتاليتين.

وإلى الآن، يبدو أن المساعي لتطويق ارتدادات التطبيع على البيت الداخلي وتجنيب الحزب انعكاسات أزمة كبيرة، لن تكون بلا ثمن. فسواء راهنت قيادة "العدالة والتنمية" على عامل الوقت لامتصاص الغضب العارم الذي يسود في قواعد الحزب وهيئاته المختلفة، أم على تدخل الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، للجم غضب المناصرين ومعارضي خطوة التطبيع، فإنّ واقع الحزب اليوم يشير إلى أنه يعيش على إيقاع أزمة داخلية خانقة. ومنذ إبعاد بنكيران عن رئاسة الحكومة في 25 مارس/آذار 2017 وتشكيل حكومة سعد الدين العثماني، والحزب يواجه مشاكل داخلية، أصبحت مع مرور الوقت تتعمق أكثر في ظلّ تباعد الآراء والمواقف وغياب أي مبادرة لاحتواء الوضع. وعلى الرغم من إطلاق القيادة الحالية حواراً داخلياً لرأب الصدع الذي أحدثه ما بات يعرف في المغرب بـ"البلوكاج" الذي أطاح ببنكيران، ومحاولاتها المستمرة للتغطية على الأزمة، إلا أنها لم تفلح إلى حدّ الآن في مسعاها، ليأتي اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل ويزيد الأزمة الداخلية للحزب.

وإذا كان "العدالة والتنمية" قد تمكّن من تقديم نموذج سياسي فريد، في قدرته على التنظيم الحزبي، والحفاظ على وحدته الداخلية في أصعب المراحل التي مر بها، إلا أن حدث التطبيع يفرض تحدياً كبيراً عليه في مواجهة الأحزاب السياسية الأخرى التي تسعى للوصول إلى السلطة وتعارض استمرار الحزب ذي التوجه الإسلامي فيها. ويسود تخوف في صفوف مناضلي الحزب، الذي ارتبطت نجاحاته منذ نشأته في 1998 بفاعليته في إدارة أزماته الخارجية، من أن يؤثر قرار التطبيع على شعبيته وحظوظه في الاستحقاقات الانتخابية المقررة صيف 2021، وسط خشية من تصدع داخله جراء استقالات متوقعة في صفوفه، من دون أن يصل الأمر إلى حدوث انشقاق.

وتجد قيادة الحزب نفسها أمام مفترق طرق من أجل إعادة ترتيب أوراقها بالإجابة عن سؤال رئيسي هو: كيف يمكن لحزب بمرجعية إسلامية، التوفيق بين الشعارات الملزمة التي رفعها منذ ولادته، وطبيعة الدولة المغربية؟ وبعبارة أخرى، هل الحزب مستعد للمشاركة في مؤسسات الدولة مع تحمّل المسؤولية السياسية لكل القرارات بحلوها ومرها، أم أنه غير قادر على تحمّل كلفتها السياسية مع ما يقتضيه ذلك من تموقع خارج البيت الحكومي؟

بالنسبة لعضو الأمانة العامة لـ"العدالة والتنمية"، عبد العزيز أفتاتي، فإنّ المرحلة الجديدة التي دخلها المغرب بعد التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل "تقتضي تأهيلاً سياسياً للحزب، ومؤسسات جديدة وقيادة جماعية منسجمة، وبلورة مقاربة على المدى المتوسط، وكذلك التفكير بهدوء لمرحلة مواجهة المشروع الصهيوني". واعتبر أفتاتي في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "موقف المغاربة الرافض لكل أشكال التطبيع مع الكيان هو المؤطر للعدالة والتنمية وباقي الأحزاب المغربية، لكن مع الاستماتة في الدفاع عن القضية الوطنية (في إشارة لقضية الصحراء)، أي رصيد التراكم في شأن الحسم النهائي للنزاع المفتعل من قبل الجزائر، لكن من دون أي التباس بمسألة رفض مقايضة القضية الوطنية بالموقف من الكيان الصهيوني".

وفيما استبعد أفتاتي أن يؤدي "زلزال التطبيع" إلى تصدع الحزب وانفراط عقده، مؤكداً "ضرورة توفير قيادة الحزب أرضية مواجهة التطبيع والإعداد للتأهيل التنظيمي"، قال أستاذ العلوم السياسية في الكلية متعددة التخصصات في تازة، إسماعيل حمودي، إنه "من خلال ردود الفعل المُعبّر عنها علناً إلى حدّ الآن، لمسنا وجود غضب قوي بين قواعد الحزب وقياداته، لكن حدّته تراجعت تدريجياً، خصوصاً بعد حملة تواصل داخلية قام بها الأمين العام السابق للعدالة والتنمية باتجاه هيئات وطنية ومحلية وإقليمية للحزب، على رأسها أعضاء فريق الأخير في البرلمان. ويشكل أعضاء هذه الهيئات نحو ثلثي أعضاء المجلس الوطني للحزب".

وأضاف حمودي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ قيادة "العدالة والتنمية نجحت، مؤقتاً، في امتصاص الغضب الحزبي، وقد ساعدها بنكيران على الأقل إلى الآن، وذلك في انتظار انعقاد المجلس الوطني لمعرفة التوجهات القائمة داخل الحزب مما جرى، وما يمكن أن يترتب عن ذلك". ورجح أن "تتراجع حدة الغضب مع مرور الوقت، إذ مرّ الحزب بوقائع مشابهة رجّح من خلالها مرجعيته الوطنية على مرجعيته الدينية، وهذا التوجّه سيتعمّق أكثر في المستقبل، فنحن بصدد حزب يتحول تدريجياً من حزب ذي مرجعية إسلامية إلى حزب ذي مرجعية وطنية أولاً".

وعن مدى انعكاس التطبيع على حظوظه في الانتخابات المقبلة جراء الأزمة التي يعيشها حالياً، قال حمودي: "هناك رأي معين داخل الحزب وخارجه يؤكد أن مواقف العدالة والتنمية خلال الولاية الحالية بقيادة العثماني، من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وأخيراً التطبيع، قد تؤثر سلباً وبشكل جوهري على قاعدته الانتخابية، لكن لا شيء يدفع إلى ترجيح هذا الرأي، كونه يتوقف كذلك على الطريقة التي سيبرر بها الحزب تلك المواقف لأعضائه أساساً ولقاعدته الانتخابية". وأضاف: "حتى لو افترضنا أن تأثير الموقف من التطبيع مرجح، أتصور أنه سيكون محدوداً، بالنظر إلى عوامل عدة، منها أنّ العدالة والتنمية لا يزال القوة التنظيمية الأولى حزبياً، ولأن غالبية المعارضين لقرار التطبيع لا يصوتون في الانتخابات أساساً".

وبرأي المتحدث ذاته، فإنّ الحزب "بحاجة إلى تأسيس نظري لسلوكه السياسي الجديد، فهناك مسافة بين النظرية والممارسة لديه ما فتئت تتعمق منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة سنة 2011"، معتبراً أن "هذه التحولات إيجابية، وتحتاج إلى أن تتعمّق أكثر في المستقبل، ولذلك فالحزب في حاجة إلى نظرية جديدة

تستثمر خلاصات تجاربه في المعارضة كما في الحكومة، ولعلها تكون إضافة جديدة للفكر الحزبي".

عادل نجدي