حازم عياد

بإطلاقها مشروع حزام واحد- طريق واحد وضعت الصين المنطقة العربية في دائرة الاهتمام؛ فالمشروع الصيني يمر في بحر العرب والبحر الأحمر متجهاً الى القارة الافريقية واوروبا؛ والنشاط الجيوسياسي الصيني لم يعد مقتصراً على جنوب شرق آسيا والباسفيك ووسط آسيا فقط بل امتد نحو غرب آسيا والبحر الأحمر.
نشاط الصين الجيوسياسي مدفوع بحاجة ضرورية ورغبة حقيقية للحفاظ على نموّها الاقتصادي الذي بات عنصراً أساساً في استقرار نظامها السياسي واستيعاب الاختلالات الناجمة عن الفجوات بين الساحل، الصيني والداخل؛ داخل صيني افتقد الى الاهتمام بفعل النمو المتسارع لمنطقة الساحل ليتم ربطه مؤخراً بمشاريع تنموية بنقل لثقل نحو الموانئ البرية على حدود آسيا الوسطى. 
تمدد المجال الحيوي الصيني نحو المنطقة العربية لا يعد ترفاً بل نتاج لتطور طبيعي ومتطلب أمني اقتصادي وسياسي لا غنى عنه لتعزيز مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي، والدفاع عن استقرارها وأمنها السياسي والاجتماعي.
فشبكات الطرق البرية العابرة للأراضي الروسية والتركية باتت ملاذاً مهماً لتعزيز مكانتها وبلوغها الأسواق العالمية وتنمية مناطقها الداخلية؛ بشبكات معززة بخطوط بحرية وموانئ باكستانية وبنغالية وإيرانية للوصول إلى القارة الأفريقية وغرب أوروبا.
التحولات التي تحدثها الصين تمثل استثماراً ضخماً لتعزيز النمو الاقتصادي المستهدف من إدارة أمريكية باتت تخشى من دور صيني متعاظم في النظام الاقتصادي الدولي، خصوصاً ان الفجوة تضيق يوماً بعد يوم بين بكين وواشنطن؛ فالصين تملك ناتجاً قومياً يقارب الـ 11 ترليون دولار وبنسبة نمو 6.8% في حين ان الولايات المتحدة تملك ناتجاً قومياً يبلغ 18 ترليون دولار، ولكن بنسبة نمو متواضعة 2.5 %.
الصعود الصيني معزز بسياسات مالية جديدة على رأسها تعويم عملتها «اليوان» ليصبح جزءاً من سلة العملات العالمية، لاعب أساسي في تعزيز الانفتاح على المنطقة العربية، اتبعته بقرار شراء النفط بالعملة الصينية وبضمانة احتياطات الذهب الموجودة لديها؛ فاليوان قطع اكثر من نصف المسافة لمنافسة الدولار، معززاً باتفاقات للتبادل التجاري بالعملة الصينية مع شركائها في العالم العربي وآسيا وأفريقيا.
تعداد المنجزات الاقتصادية الصينية للعام 2017 سيتولد عنها وبشكل حتمي نشاط سياسي ودبلوماسي متسارع لحماية هذا النفوذ وتلك الطموحات؛ فالصين في عام 2018 ستتحول الى لاعب سياسي بمنطقتنا العربية بتأثير من النفط والموقع الجغرافي الى جانب الأسواق التي تزخر بها المنطقة للحفاظ على وتيرة نمو مرتفعة.
الصين في عام 2018 ستدشن على الأرجح سياسة جديدة تجاه المنطقة العربية وغرب آسيا، شهدنا ارهاصات لها في المنطقة بتأسيس قواعد عسكرية في جيبوتي وارسال كتيبة من جيشها الى سوريا؛ فالمنطقة تقع في لب السياسة الصينية وقلبها، والمؤشرات على ذلك ستزداد قوة بمرور الوقت.
فالصين حققت قفزات مهمة في سياستها في اسيا الوسطى مختتمة عام 2017 بجهد دبلوماسي لتقريب وجهات النظر بين كابول واسلام أباد لتقدم نفسها كراعي للسلام الاقليمي والاستقرار في آسيا الوسطى؛ مدفوعة بطموحاتها لتوسيع مشروعها حزام واحد- طريق واحد ليضم افغانستان مضيفة 14 مليار دولار على الكلفة الاجمالية للشراكة مع اسلام أباد التي بلغت 40 ملياراً، الأهم من ذلك تعزيز الأمن والاستقرار في آسيا الوسطى بما يحد من انتشار التطرف والجماعات المسلحة لتهدد أراضيها ومشاريعها الكبرى في المنطقة.
النمط ذاته ستشهده المنطقة العربية خلال العام القادم، فكلما تعمقت الصين خطوة في طريقها لتحقيق النمو، ازداد اهتمامها ونشاطها السياسي والدبلوماسي والعسكري في المنطقة لتطرح نفسها راعياً للسلام والاستقرار؛ فالمنطقة العربية على موعد مع نشاط صيني استثنائي في الاعوام المقبلة، والبنية التحتية لهذا النشاط باتت قاب قوسين أو أدنى من عالمنا العربي مدعومة باستراتيجية واضحة ورؤية ثاقبة، في حين ان البنية التحتية للنفوذ الأمريكي يجري تقويضها يوماً بعد يوم وبدون استراتيجية واضحة أو متجانسة وبرؤية يمينية انعزالية خرقاء متهالكة.}