العدد 1443 /30-12-2020

تسرّع السلطة في الجزائر الخطى لحث القوى السياسية والمدنية على الدخول مبكراً في أجواء الانتخابات، منذ أن أمر الرئيس عبد المجيد تبون قبل أسبوعين بتجهيز قانون الانتخابات الجديد، تمهيداً لإجراء انتخابات نيابة ومحلية مبكرة. ويلاحظ تكثيف المسؤولين الحكوميين تصريحاتهم بشأن هذه الانتخابات والتعهد بضمان نزاهتها، لاستدراج الأحزاب السياسية للانخراط في معتركها.

وتبرز أسئلة كثيرة حول دوافع إقدام السلطة على طرح مشروع انتخابات نيابية مبكرة في الجزائر. غير أنه إضافة إلى كونها إحدى الالتزامات السياسية التي تعهد بها تبون خلال تسلمه السلطة، وفي سلسلة حوارات صحافية أجراها مباشرة بعد ذلك، تُمثّل هذه الانتخابات المتوقعة قبل نهاية إبريل/نيسان المقبل، رهاناً تبتغي منه السلطة تحقيق حزمة من الأهداف السياسية البالغة الأهمية، والمتعلقة بمشروع الإصلاح السياسي والدستوري الذي يقترحه تبون، ورسم توازنات جديدة تساعد على ذلك، بما فيها نقل الحراك الشعبي من الشارع إلى البرلمان، حيث تتوفر الإمكانية السياسية للسيطرة على المواقف والمكونات المعارضة في الغالب.

وتشير الكثير من المعطيات السياسية إلى أنّ تبون قد يعمد سريعاً إلى تنفيذ خطوتين مهمتين. الخطوة الأولى إلغاء العتبة الانتخابية (ضمن قانون الانتخابات الجديد المقرر الإعلان عنه قريباً) لضمان أكبر مشاركة من القوى السياسية والقوائم المستقلة، نظراً إلى أنّ هذه المشاركة ستوسع في المقابل وتحفز على مشاركة أكبر للناخبين، بسبب الخصوصية المحلية للانتخابات النيابية والبلدية وطبيعة المرشحين الأقرب إلى الناخب على المستوى المحلي، وبالتالي تفادي هاجس المقاطعة والعزوف الانتخابي، كالذي حدث بشكل غير مسبوق في الاستفتاء الشعبي على الدستور في الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وقد تأتي هذه الخطوة استجابة لمطالبات أحزاب سياسية عدة، لا سيما تلك التي أخفقت في الحصول على مستوى أربعة في المائة من الأصوات في آخر انتخابات سابقة، ما سيتيح لها الدخول بسهولة في المنافسة الانتخابية المقبلة، من دون أن تكون قوائمها المرشحة مضطرة للحصول على توقيعات من الناخبين. وتعتبر هذه الأحزاب، ومن بينها "جيل جديد" و"جبهة النضال الوطني" و"الاتحاد من أجل التنمية" وغيرها، أنّ الإبقاء على العتبة سيحصر المنافسة الانتخابية، كما كان الوضع سابقاً، بين الأحزاب الكبيرة المهيمنة على المجالس المنتخبة، ويحدّ من مشاركة القوى الفتية، وتلك التي نشأت بعد الحراك الشعبي. وفي السياق، اقترح رئيس حزب "صوت الشعب"، لمين عصماني، في ندوة عقدها حزبه الأحد الماضي، تنظيم الانتخابات النيابية والمحلية بالتزامن "لتشهد مشاركة قوية، فإذا نظمتا في يوم واحد سنقلل من العزوف ونساهم في رفع نسبة المشاركة"، مشيراً إلى أنه "إذا كان من غير الممكن تنظيمها في اليوم نفسه، فأقترح إجراء الانتخابات المحلية قبل التشريعية".

ويستدعي إنجاز الخطوة الأولى من قبل السلطة، خطوة ثانية، وهي الإسراع في الترخيص لعدد هام من الأحزاب الفتية التي أنشأتها قيادات شابة ومجموعات منبثقة من الحراك الشعبي، وذلك في سياق تشجيع السلطة للشباب على الانخراط في الممارسة السياسية، وبما يسمح بتجديد المشهد السياسي في البلاد، تماشياً مع الشعار المركزي الذي تتبناه السلطة الحالية "الجزائر الجديدة" و"أخلقة العمل السياسي"، خصوصاً أنّ تبون تعهد بأن يتضمن قانون الانتخابات الجديد، بنوداً توفر الدعم المادي للشباب المقدِم على خوض المنافسة الانتخابية.

وعن ذلك، قال الباحث في الشؤون السياسية، كمال حجام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "السلطة تدفع إلى تكثيف النقاش حول الانتخابات المسبقة، بهدف جر كل القوى الحزبية إلى هذا النقاش، وقد بدأ ذلك يحدث فعلياً. وأعتقد أنّ الأمر لا يتعلق بحاجة السلطة إلى برلمان جديد وتجديد مؤسسات الدولة، لكون البرلمان الحالي الذي ما زال في عهدته سنة ونصف السنة (حتى مايو/أيار 2022) أكثر خدمة للسلطة ومرونة، إذ تهمين عليه أحزابها. ولكن الأمر يتعلق برغبة السلطة في تأكيد تمسكها بتنفيذ خارطة الطريق التي أعلنها تبون منذ ما قبل انتخابه، وكذلك تجاوز كل حديث عن مبادرات حوار سياسي، واعتبار أنّ الحوار الوحيد هو عبر صناديق الانتخابات". وأضاف حجام أنّ "هناك معطى ثالثاً يبدو مهماً، وهو أنّ السلطة تريد أن توجه رسالة للداخل والخارج بوجود سيرورة تغيير سياسي طبيعية، وأنه لا وجود لما تصفها المعارضات المختلفة بالأزمة السياسية في البلاد".

وتذهب قراءات سياسية أخرى إلى أنّ السلطة تعتبر أنّ إجراء انتخابات مسبقة، سيسهم في نقل وتصدير معركة الشرعية من جدار السلطة، التي تُتهم من قبل الشارع السياسي بعدم حيازتها على الشرعية، إلى المعارضات السياسية التي سيفرض عليها خوض معركة الشرعية الانتخابية، إضافة إلى أنّ أيّ انتخابات تمثيلية مقبلة، ستؤدي إلى كسر التحالفات القائمة بين مجموعات المعارضة. وتؤسس السلطة هذه المقاربة على تجربة سابقة حدثت في عام 2014. ففي يونيو/حزيران من ذلك العام، توافقت قوى المعارضة والشخصيات المستقلة على أرضية انتقال ديمقراطي، رفضت من خلالها الإقرار بشرعية الرئيس حينها عبد العزيز بوتفليقة (كان قد حاز على ولاية رئاسية رابعة، على الرغم من مرضه)، وظلّ تنسيق المواقف عالياً بين هذه القوى، لكن حدثاً واحداً كان كافياً لتفجير هذا التنسيق، وهو الانتخابات النيابية لعام 2017، حين قررت كبرى أحزاب المعارضة المشاركة، بينما تمسكت قوى أخرى بالمقاطعة، وكان ذلك نهاية التنسيق السياسي، وهو ما استفادت منه السلطة.

لكن بعض القوى السياسية المعارضة تبدو في المقابل منتبهة إلى حسابات السلطة، فـ"جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، كانت حذرت تبون مما وصفتها بـ"مغامرة انتخابية" جديدة، قبل إجراء حوار سياسي يوفر الظروف المناسبة والقواعد الأساسية لمثل هذه الانتخابات، كتنفيذ حزمة إجراءات تهدئة، وإطلاق الناشطين المعتقلين، وتحرير الإعلام والفضاء العام. وقد اعتبر السكرتير الأول للحزب، يوسف أوشيش، في مؤتمر سياسي عقد قبل أسبوع، أنّ "الانتخابات ليست أولية بالنسبة للحزب". كما أعلن "حزب العمال" (اليساري) عن الموقف نفسه، فيما طالبت حركة "مجتمع السلم" بحوار سياسي يسبق أي استحقاق انتخابي. غير أنه لا يُعرف ما إذا كانت هذه الأحزاب السياسية قادرة على الصمود في موقفها.

عثمان لحياني