العدد 1379 / 25-9-2019

بقلم : بشير البكر

ليس أمرا عاديا أن تتعرّض منشآت أساسية في شركة أرامكو لهجمات، فهذا العمل التخريبي، الكبير بجميع المعايير، يشكّل اختراقا أمنيا وسياسيا، ستكون له تداعيات كبيرة على السعودية والوضع الإقليمي. وبانتظار ما سوف تسفر عنه تفاعلات الحدث دوليا، فإن القراءات الأولية تحتمل بعدين. الأول مباشر وهو أمني. والثاني رمزي استراتيجي. وفي الجانب الأول صار واضحا أنه ليس هناك أي مكان سعودي أو إماراتي في منأىً عن خطر القصف، سواء جاء على شكل طائرات حوثية مسيرة، أو صواريخ باليستية بعيدة المدى، قادمة من جنوب العراق أو إيران. ومن تجرّأ يوم السبت الماضي على قصف مصافي "أرامكو" لن يصعب عليه من الآن فصاعدا ضرب أي منطقة في السعودية التي تحوّلت كلها إلى أهداف محتملة، بما في ذلك القصر الملكي، وهذا يشكّل خرقا أمنيا كبيرا، يضرب في الصميم كل المنظومة التي بنتها السعودية للدفاع عن نفسها، وصرفت عليها مليارات الدولارات. ويكمن البعد الرمزي في أن دولةً بحجم السعودية اقتصاديا وسياسيا، حليفة أساسية للولايات المتحدة، باتت مهدّدة في أمنها من إيران.

هناك ثلاث نتائج مباشرة للهجمات على "أرامكو": الأولى، ظهرت السعودية مكشوفة أمام الهجمات العسكرية، الأمر الذي يجعل من الشعار الذي رفعه الحوثيون عن توازن الرعب حقيقة واقعة ولا جدال حولها. الثانية أن الاقتصاد السعودي دخل مرحلة الخطر، نتيجة وقوع عملية تصدير النفط السعودي تحت مرمى النيران، وقد نجحت العملية الأخيرة بإلحاق ضربة كبيرة بعملية التصدير، خرج بموجبها حوالي نصف الإنتاج السعودي من النفط من دائرة التصدير، وليس مستبعدا أن يتعرّض التصدير برمته للخطر من خلال عملية قادمة. والنتيجة الثالثة أن التهديد الإيراني الذي صدر منذ حوالي شهرين حول تعطيل صادرات النفط من المنطقة أصبح حقيقة واقعة، وبات في وسع إيران والجماعات المحسوبة عليها أن توقف بالقوة تصدير النفط من بلدان المنطقة، وإذا كان في وسع ايران وحلفائها تهديد المنشآت السعودية، فمن السهل عليهم إلحاق الضرر بمنشآت دول أخرى، وخصوصا الإمارات.

الخطير هو عدم جاهزية السعودية للدفاع عن نفسها، وهذا ما تحدّث عنه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، صراحة، حين قال إن على السعودية أن تدافع عن نفسها. وطلب صراحة من الرياض أن تدفع مقابل أن تقوم أميركا بالحماية. وسبق للرئيس الأميركي أن أثار هذه النقطة عدة مرات، ولم يتم أخذ تصريحاته على محمل الجد، إلا أن عجز السعودية عن حماية منشآتٍ على هذا القدر من الحساسية يطرح أسئلة كثيرة حول خيارات الرياض للدفاع عن نفسها. ويبدو أنه لا مفر أمامها من الخضوع للابتزاز الأميركي من أجل شراء الحماية، وهذه مسألة من دون حدود، ويمكن أن تضع الاقتصاد السعودي رهينة مباشرة مقابل الحماية الأميركية.

وهناك مسألتان متلازمتان. الأولى أن مقابل عدم قدرة السعودية على الدفاع عن نفسها صار واضحا أن الحوثيين باتوا قوة تهدّد السعودية فعليا، وشيئا فشيئا صارت الضربات التي يوجهونها للسعودية أكثر دقة وذات تأثير أكبر. والثانية أن إيران نجحت في استخدام الحوثيين كسلاح لإلحاق ضربات موجعة بالسعودية، وهذا أمر لن تنحصر آثاره في المواجهات الدائرة الآن، بل صار جزءا من المعادلة الكلية، وهو ما يحيل على الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن، وهذا أحد أوجه خسارتها. وبالتالي صار مؤكدا أن السعودية ستكون مطالبة بتسديد فاتورة كبيرة، إذا أرادت وقف هذه الحرب من موقع المهزوم الذي يتلقى الضربات.

باتت السعودية وسط الابتزاز الأميركي والضربات الإيرانية، وليس أمامها مخرج في المدى المنظور، وهذه بداية التراجع الكبير.