نبيل البكيري

مرت علينا الذكرى السادسة والعشرون لتأسيس «التجمع اليمني للإصلاح» الذي يقدم نفسه من خلال أدبياته كامتداد طبيعي للحركة الإصلاحية الوطنية اليمنية.
لا شك أن إعلان تأسيس التجمع اليمني للإصلاح في 13 أيلول 1990م، كان بمثابة إعلان ميلاد جديد للإصلاحية اليمنية بشكل أقرب إلى حالة التيار منها إلى حالة الحزب السياسي، وهو ما انعكس على أداء الإصلاح طوال فترة ما بعد الإعلان وحتى هذه اللحظة، فقد كانت هذه الحالة الجماهيرية العامة، التي جمعت في طياتها مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، من دعاة وتربويين ومثقفين وشيوخ ووجاهات اجتماعية، وطلاب ومهندسين وأطباء وغيرهم، مثلت حالة تأطيرية للمدرسة الإصلاحية في إطار تيار سياسي وطني جامع.
تمكن إشكالية الإصلاحية اليمنية الجديدة، بمدى ما تركه تأثير المدرستين الإخوانية المصرية والسلفية السعودية، التي حملها عدد من خريجي مصر وجامعات المملكة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ولم يتوقف هذا التأثير عند مستوى تراجع الأداء السياسي للحزب فقط وإنما أيضاً حتى على مستوى الأداء الفكري والثقافي للمدرسة الإصلاحية اليمنية على حد سواء، التي مثلت ما يشبه مرحلة الانقطاع عن خصوصياتها الوطنية.
صحيح لم تكن مرحلة الضياع والانقطاع عن الهوية الوطنية حالة إصلاحية بقدر ما كانت حالة وطنية عامة لدى كل تيارات وأحزاب المشهد اليمني من يسار ويمين ووسط، فكان كل حزب يخوض صراعاته السياسية بأدوات وأفكار تأثره الخارجي وقوالبه الايديولوجية المستوردة، ولا علاقة لها بهويته الوطنية ورموزه وبيئته، وهذه الفجوة التي وسعت من حالة الاستقطاب و الصراع بين الإسلامين واليساريين بحرب باردة ومباشرة وغير مباشرة طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات، ومستمرة بدرجة ما حتى اللحظة، ما شكل فجوة كبيرة تسلل من خلالها المشروع الإمامي العصبوي.
ومثل ما حصل بين الاشتراكيين والإسلاميين، فقد حدث نفس الصراع وإن بدرجة أخف بين الإسلاميين والقوميين الناصريين الذين استوردوا الصراع من القاهرة إلى صنعاء واليمن عموماً، في حالة استغباء تاريخية لا مثيل لها، وكل هذا الصراع بين تيارات ونخب المشهد السياسي والثقافي اليمني، كان بمثابة البيئة الخصبة التي استغلها المشروع الإمامي وتمدد خلالها مستفيداً من حالة الصراع والتنافس غير المعقلن، في كل تفاصيل المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي اليمني، وتمكن حينها من تشويه كل نضالات الحركة الوطنية اليمنية بمختلف توجهاتها ضد المشروع الإمامي الذي تكلل بثورة 26 سبتمبر (أيلول) المجيدة كواحدة من أعظم ثورات اليمنيين على الإطلاق.
بالعودة إلى الحالة الإصلاحية وما لها وما عليها، فلا شك أن التيار الإصلاحي الذي مثل من خلال حزب التجمع اليمني للإصلاح، كأكبر التيارات اليمنية تأثيراً وتنظيماً، وبتالي تحمله لمسؤولية كبيرة كحجمة الكبير فيما جرى كحاضر أبرز في مختلف المحطات الوطنية بمواقف واتجاهات وطنية، أصاب في بعضها وأخفق في البعض الأخر.
إن الإصلاح اليوم، بكل مواقفه الوطنية الكبيرة والتي كان أبرزها دعمه ودوره الكبير في ثورة 11 فبراير 2011م، يمثل رافعة وطنية حقيقية للمشروع الوطني الجمهوري، ذلك المشروع الذي انسجمت توجهات الحزب مع كل تحولاته طوال الخمس السنوات الماضية وحتى اللحظة، هذا التناغم الذي يتطلب مزيد من المراجعة للأليات والأدبيات والوسائل العاملة من أجل المشروع الوطني، بشراكة كل الأطراف الوطنية ذات المواقف الواضحة والصريحة من ارتكاسه و «انتفاشة» 21 سبتمبر 2014م المشؤومة التي في ضوئها ينبغي تحديد موقف كل طرف على حدة.
لقد كان استهداف حزب الإصلاح، مدخلاً سهلاً لضرب المشروع الوطني، كما بات يعرف الجميع، لا لشيء سوى لما يمثله الإصلاح من حاجز صدّ قوي للمشاريع الصغيرة التي تتغذى من تشويه وضرب كل القوى الوطنية الفاعلة والحقيقية، تلك المشاريع الصغيرة التي نمت وعشّشت في كل التيارات الوطنية الأخرى، أو تحوصلت في مشاريع صغيرة واضحة شمالاً وجنوباً، وكانت ترى بالتيار الإصلاحي عقبة كبيرة أمام تمرير مشاريعها الصغيرة.
صحيح أن هناك أخطاء وإخفاقات في أداء ومسيرة «الإصلاح» على المستوى الثقافي والسياسي، التي تأتي في مقدمتها مسالة الهوية الوطنية، وتكلس المسار الديمقراطي ضمن مؤسساته الداخلية، لكن باعتقادي بما يمتلكه الإصلاح من طاقات شابه كبيرة ومتنوعة وتنويرية يمكن تجاوز هذه الإشكالية بشكل سريع وإعادة ضبط البوصلة الوطنية للحزب التي مثل البيان الأخير رسالة واضحة وصريحة في هذا المسار القادم حول شكل الحزب وتوجهاته.