العدد 1495 /12-1-2021

تتزايد المخاوف من توجه الرئيس التونسي قيس سعيّد نحو سحب تنظيم الانتخابات والاستفتاء اللذان أعلن في 13 كانون الأول الماضي عن تنظيمهما هذا العام، من الهيئة المستقلة الانتخابات، بسبب تشكيكه في استقلاليتها، وسط تحذيرات من العودة إلى توظيف وزارة الداخلية في تنظيم الاستحقاقات الانتخابية.

وسبق أن انتقد سعيد في أكثر من مناسبة هيئة الانتخابات وأعضاءها، مشككاً في استقلالية هذه الهيئة ونزاهة أعمالها. وقد قال خلال جلسة لمجلس الوزراء أخيراً إن "الهيئة العليا للانتخابات من المفترض أن تكون مستقلة، لا أن تكون أداة في يد عدد من الأشخاص".

واعتبر مراقبون أن تكرار استهداف سعيّد لهيئة الانتخابات ينذر بتوجّه لإبعادها، وسحب اختصاص الإشراف على عملية الاستفتاء على الإصلاحات الدستورية في 25 يوليو/ تموز المقبل والانتخابات التشريعية المبكرة في 17 ديسمبر المقبل منها.

في السياق، رأى القيادي في حركة النهضة وزير الخارجية الأسبق، رفيق عبد السلام، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "استهداف سعيّد لهيئة الانتخابات ليس بأمر جديد، فهو معادٍ لكل أركان البناء الديمقراطي وأسسه".

وأضاف "هذا الاستهداف يؤشر إلى اقتراب ضربه لهذه الهيئة التي أمنت الانتقال الديمقراطي في تونس".

وتابع عبد السلام أن "سعيّد يقوم باستهداف ممنهج للمؤسسات الدستورية، في مواصلة لسياسة تخريب المؤسسات الديمقراطية والهيئات المستقلة".

وأوضح أنه "بعد تعليقه عمل البرلمان المنتخب، عمد سعيّد إلى تعليق عمل هيئة مكافحة الفساد وعطل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، كما عطل العمل بالدستور، وذلك لاستكمال وضع يده على مفاصل الدولة كلها".

بدوره، اعتبر القيادي بحزب "قلب تونس"، رفيق عمارة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العملية تبدأ دائما بالترذيل والتشكيك والاستهداف، كما فعل سعيّد مع البرلمان قبل أن يفتكّ صلاحياته ويعلق أعماله، وكما تصرف اتجاه الحكومة قبل أن يستحوذ على كامل السلطة التنفيذية، والدور المقبل على هيئة الانتخابات ومجلس القضاء".

وأضاف عمارة أن "مخططات سعيّد كلها أصبحت مكشوفة، فهو يعمل على إرباك هيئة الانتخابات حتى يقوم بتمرير الاستفتاء وإجراء الانتخابات بإشراف وزارة الداخلية أو هيئة موازية من الموالين له، يتم إحداثها بأوامر رئاسية".

وتابع مستغرباً أنه "حتى هيئة الانتخابات التي أشرفت على انتخابه رئيساً للبلاد، شكك في نزاهتها واستقلاليتها، وحتى الدستور والقوانين الانتخابية التي أوصلته للرئاسة يريد تغييرها بقوانين ومؤسسات على المقاس".

وحول حملات التشكيك في هيئة الانتخابات، قال الرئيس السابق للهيئة، محمد التليلي المنصري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك محاولات لتحميل ضعف الأداء السياسي لهيئة الانتخابات".

وتابع "نحن كمؤسسة دستورية قمنا بواجبنا وأكثر، والدليل أننا فتحنا أبوابنا لكل المنظمات الدولية والمراقبين الذين واكبوا الانتخابات وحضروا في مقراتنا الفرعية والمركزية وفي مراكز الاقتراع والفرز".

وأشار إلى أن "الهيئة لا تعمل بمفردها، بل تعمل مع المراقبين المحليين والدوليين والملاحظين وممثلي المترشحين، كما أنها تخضع لمراقبة المحكمة الإدارية ومتابعتها".

وقال إنه "من الناحية التقنية، لا يمكن حتى مجرد الحديث والتشكيك في أي مرحلة من مراحل مسار الانتخابات؛ بدءاً من التسجيل وصولاً إلى إصدار النتائج، فجميع هذه المراحل خاضعة للرقابة الإدارية والقضائية ولرقابة المجتمع المدني المحلي والدولي".

واعتبر المنصري أنه "من الغريب الحديث عن عدم استقلالية الهيئة أو سحب ملف الانتخابات منها"، مشدداً على أن "الدليل على استقلالية الهيئة نابع من قبول النتائج من قبل الجميع من دون استثناء، بما في ذلك القضاء".

وأوضح أن "الرئيس سعيّد عندما ترشح نافسه رؤساء حكومات سابقون ونائب رئيس برلمان ووزراء ورجال أعمال فاعلون، ولكنه نجح هو بأكثر من 73 في المائة، إذاً ليس هناك دليل أكثر من هذا على مدى نزاهة وشفافية النتائج إلى أبعد الحدود". وقال: "نحن لا نتعامل مع الأحزاب، بل مع قوائم مترشحة".

وأضاف "هيئة الانتخابات لا تتحمل مسؤولية المشاكل التي تعيشها الحياة السياسية في كل مناسبة"، مشيراً إلى "الافتقار للتشريعات والقوانين الخاصة بحماية سبر الآراء وتنظيم الجمعيات والأحزاب والاتصال السمعي البصري، وبمكافحة التمويل الأجنبي، وهذا ليس دور هيئة الانتخابات لوحدها".

وشدد على أن "الهيئة قامت بدورها وسلمت جميع التقارير حول الإخلالات للقضاء، ولكن لم يكن هناك تفاعل بالكيفية اللازمة".

وحول تعديل القانون الانتخابي أو قانون هيئة الانتخابات وإعادة تركيبتها بأمر أو مرسوم رئاسي، قال المنصري "وجب تشريك هيئة الانتخابات في أي تعديلات قانونية، لأن للهيئة الولاية العامة على الانتخابات ومن المفروض أن يتم التشاور معها، واستشارتها إجبارية".

وتابع "القانون الأساسي والقانون الانتخابي يجبران على استشارة الهيئة في كل هذه المواضيع على غرار مجلس النواب في السابق".

وأكد المنصري أن "هيئة الانتخابات ليست أشخاصاً، بل مؤسسة وجبت المحافظة عليها مهما كانت الكلفة، من أجل المحافظة على الديمقراطية".

وأضاف أن "الاستقلالية والحياد مرتكزان في هذه الهيئة الممتدة على تراب البلاد، وقد حلت في المرتبة الأولى عربياً وأفريقياً، وفي المرتبة 24 عالمياً لناحية الشفافية والنزاهة والخبرة الانتخابية".

وفي رده على الاستهداف والتشكيك بعمل هيئة الانتخابات، اعتبر نائب رئيس الهيئة، فاروق بوعسكر، في تصريح صحافي أخيراً، أن "هيئة الانتخابات تقوم بعمل محترف، وتتميّز بالحياد، بشهادة التونسيين وأيضاً منظمات وهيئات دولية مختصة في الشأن الانتخابي وذات صيت".

واعتبر أن "هناك حالة رضا تام على نتائج انتخابات عام 2019، ولم يحصل تشكيك بصفة واضحة وعبر أدلة، في النتائج التي أصدرتها الهيئة".

وأضاف بوعسكر "لا أعلم ما إذا كانت هناك حالة رضا على نتائج الانتخابات الرئاسية، وعدم رضا على نتائج الانتخابات التشريعية، في حين أن الاستحقاقين نظمتهما الهيئة نفسها وبالفريق نفسه والعناصر نفسها".

وأضاف "الآن اختلط الحابل بالنابل، وأصبحنا نشكك في كل شيء، ويجب التفريق جيداً بين الأشخاص والمؤسسات".

وأكد أن "التجاذب الحاصل أصبح يهدد المؤسسات القائمة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه يساند "إصلاح مختلف المؤسسات، ومن بينها هيئة الانتخابات التي مضى على إصدار قانونها المنظم 10 سنوات".

وتساءل بوعسكر عما إذا كان الشعب التونسي يقبل بإشراف وزارة الداخلية على الانتخابات، مضيفاً "إذا كان هذا هو الطريق الذي نتجه إليه، فعلى الدنيا السلام".

وتعد هيئة الانتخابات الهيئة الدستورية الوحيدة التي تم تأسيسها وفق الدستور، وأعضاؤها منتخبين من قبل البرلمان.

وقد نجحت على امتداد 10 سنوات في تأمين سير الانتخابات داخل البلاد وخارجها، وذلك خلال الانتخابات التشريعية في 2011 و2014 و2019، والانتخابات الرئاسية في 2014 والرئاسية المبكرة في 2019. كما أشرفت على أول انتخابات بلدية في 2018، وعلى انتخابات المجلس الأعلى للقضاء.

آدم يوسف