العدد 1671 /9-7-2025
سامح راشد
قبل
أشهر، أطيح رأس النظام السوري السابق بشّار الأسد. وبعد أخذ هيئة تحرير الشام
الحكم، وتولّي أحمد الشرع (أبو محمّد الجولاني سابقاً) السلطة هناك، أطلقنا
"سورية الجديدة"، تسميةً للوضع الجديد المفتوح على كل الاحتمالات. وبعد
حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران، وانتهائها على نحو مفاجئ بقرار من الرئيس
الأميركي دونالد ترامب، ربّما نكون أمام "إيران جديدة". وليس المقصود
بذلك التوجّهات الإقليمية والسياسة الخارجية فقط، المحتمل تغيّرها أو تعديلها، وإنما
ينصرف وصف "الجديدة" أيضاً إلى الداخل الإيراني، بوجهَيه، الرسمي حيث
السياسات الحكومية ونهج إدارة الدولة، وغير الرسمي حيث الرأي العام، والتقييم
المجتمعي لحصاد عقودٍ من سياسات الولي الفقيه، والتبريرات الدينية، والتكييفات
الفقهية، لما يقوم به علي خامنئي ورفاقه. وإن كان ذلك الموقف المجتمعي تراكمَ
تدريجياً بفعل زيادة نسبة الشباب الإيراني المحمّل بتطلّعات ليبرالية.
خلال
معركة الأيام الاثني عشر، اعتبر الإيرانيون القصف الأميركي والإسرائيلي إهانةً
لكرامتهم، واستهدافاً لأرواحهم ومستقبل أبنائهم، فوقفوا خلف النظام وأيدوا ردوده التصعيدية،
والتصريحات العنترية، في مواجهة غطرسة تل أبيب واستكبار واشنطن، وهو سلوك طبيعي
لأيّ شعب أمام عدوان خارجي. ثمّ بدأت ردّات الفعل العقلانية في الظهور تباعاً بعد
خفوت أصوات المدافع. وتعلو أصواتٌ تطالب بحساب المكسب والخسارة، وتطرح تساؤلات حول
الهدف والجدوى، ومن يتحمّل مسؤولية التصعيد، وخوض المواجهة.
خسرت
طهران حزب الله، أكثر أوراقها الإقليمية أهميةً، بعد أن انتُزعت منها سورية. ومع
تكسير عظام إيران عسكرياً، لم تعد قادرةً على الاستمرار في دعم الحوثيين تمويلاً
وتسليحاً. وفي العراق، لم تعد الفصائل الموالية لطهران مدلّلةً أو محصّنةً كما
كانت، نتيجة تغير المزاج العام، وتزايد الضغوط الخارجية الرامية إلى تخفيف
الالتصاق بإيران. ذلك كلّه في نطاق أوراق الضغط والحلفاء، أو الوكلاء الإقليميين
لطهران. أمّا عن القوة الذاتية، فلا حاجة إلى ذكر مدى الضعف والإنهاك الذي تعانيه
إيران حالياً من مختلف الأوجه، وبصفة خاصّة اقتصادياً وعسكرياً.
قبل
أسابيع، تحرّكت إيران نحو التقارب مع بعض دول المنطقة، خصوصاً ذات الثقل في
الإقليم، مثل مصر والسعودية. وتوالت زيارات واتصالات قام بها مسؤولون إيرانيون
رفيعو المستوى، وكان جوهر الرسالة الإيرانية من طرق تلك الأبواب، على نحو مكثف
ومفاجئ، تأكيد الرغبة في تحسين العلاقات، والتنسيق المشترك لمواجهة تحدّيات قائمة
ومستجدّات منتظرة، ستطاول تأثيراتها الجميع. ليس من الواضح إذا كان لدى إيران علم
مسبق، أو وصلت إليها معلومات بشأن هجوم عسكري إسرائيلي عليها، لكن المؤكّد أنها
خاطبت مصر والسعودية ودولاً أخرى بمنطق مختلف، حاولت من خلاله ترويج صورة مغايرة
عنها، وتأكيد أنهم أمام إيران "جديدة" مفيدة وإيجابية. وبغضّ النظر عن
مدى صدق هذا الطرح، ما جرى لاحقاً يكشف أن مبادرة طهران قوبلت بإشارات استجابة.
وإذا
كانت "سورية الجديدة" مختلفة كلّياً عن "سورية الأسد"، بل
ربّما مناقضة لها، فليس من المؤكّد أن إيران "الجديدة" ستختلف عن
السابقة، لكن البراغماتية خصيصة ملازمة للسياسة الإيرانية منذ نشوب الثورة
الإسلامية عام 1979، وتملك طهران قدراً عالياً من المرونة والقدرة على تجاوز الانكسارات،
بل التفاهم مع الخصوم، والتكيّف مع تفوق أعدائها.
وبينما
ترتاب طهران في نيّات الغرب، وتتهم واشنطن بالكذب، يظلّ تمظهرها الإيجابي
التعاوني، بلا أدلة أو شواهد. وجاء ترحيب بعض العرب بذلك التحوّل، مقيّداً بشروط
موضوعية وإجرائية تختبر صدق طهران، لكن اجتياز ذلك الاختبار، وتلبية استحقاقات
المرحلة، يتطلّب من إيران تدعيم المرونة والتكيّف في سياساتها، بسلوك عملي يجسّد
الخطاب الإيجابي، ويؤكّد أن إيران "الجديدة" واقع، وليست وجهاً جديداً
من أوجه "التقيّة".