ماجد أبو دياك

قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدفع بحل سياسي للقضية الفلسطينية يستند إلى ما يطرحه رئيس الوزراء بنيامين نتن ياهو من حل إقليمي، يقضي بعملية تطبيع مع الدول العربية تتجاوز الحل السياسي للقضية الفلسطينية ويركز على محاصرة إيران بالتعاون مع دول عربية، وإجبار الفلسطينيين على القبول بعمليات توطين تشمل صحراء سيناء والأردن ودولاً أخرى فيها ثقل سكاني من اللاجئين، كدول الخليج وأوروبا.
ويأتي ذلك ضمن توجه الرئيس الأميركي للتركيز على الصين وكوريا الشمالية، وإيجاد تسوية في المنطقة تمهد للانسحاب المحسوب منها للتفرغ لتحديات محلية وأخرى دولية (منها الصين وكوريا الشمالية وإيران)، وإن كانت ليست منها مواجهة روسيا التي تمدّد نفوذها في المنطقة، وخصوصاً عبر الوجود القوي والمهيمن في سوريا.
صفقة صهيونية بامتياز
بدأ ترامب -منذ تسلمه الرئاسة- في التسويق لصفقة أقنعه بها صهره اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر، الذي عينه مستشاراً له وكلفه بعملية السلام في الشرق الأوسط.
كما عينّ ترامب مسؤولاً متطرفاً آخر هو جيسون غرينبلات مبعوثاً خاصاً له إلى الشرق الأوسط، ويُطلَق على هذا الرجل لقب مهندس صفقة القرن التي تسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية عبر حل قضيتي اللاجئين والمستوطنات، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسيناء، إضافة إلى الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان.
كما أن غرينبلات هو من وضع شروطاً على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، ومنها الابتعاد عن الثنائية في المفاوضات، والبدء بالحل الإقليمي، وهو الذي طالب بقطع المساعدات عن الأسرى، وعدم تحويل الأموال إلى قطاع غزة، فضلاً عن تأكيده أن الانسحاب إلى حدود 1967 أمر غير وارد.
أما الأردن -الذي يشعر بضياع دوره بسبب اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة موحدة للكيان- فستتم معالجة هواجسه سياسياً ومالياً ليقبل بالتوطين على أراضيه.
استكمالاً للدور المتصهين لإدارة ترامب؛ جاءت تصريحات نائب الرئيس الأميركي مايك بنس أمام الكنيست بتأكيد نقل السفارة الأميركية إلى القدس عام 2019، وذلك تنفيذاً للقرار الذي أعلنه الرئيس الأميركي في كانون الأول الماضي، بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
وكانت زيارة بنس محفوفة بالتوتر مع الأردن، إذ أبلغه العاهل الأردني عبد الله الثاني -في العاصمة عمّان- أن «القرار الأميركي بشأن القدس لم يأت في إطار تسوية شاملة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويمثل مصدراً محتملاً لعدم الاستقرار في المنطقة». إلا أن ذلك لم يمنع بنس من القول لملك الأردن إن أي خلاف يتعلق بالحدود والوضع النهائي سيُحلّ بالتفاوض، متجاهلاً بذلك تأثير قرار ترامب بشأن القدس على العملية برمتها.
نهاية الوساطة الأميركية
وعيّن الرئيس الأميركي المحامي والمستشار الخاص به خلال الحملة الرئاسية اليهودي ديفد فريدمان سفيراً لبلاده لدى إسرائيل، وهو يدعم نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، كما عبّر عن دعمه لتوسيع الاستيطان في الضفة، ويرفض كذلك حل الدولتين.
وينبع دعم أعضاء فريق ترامب في البيت الأبيض من كونهم يهوداً، إلا أن دعم بنس يأتي باعتباره مسيحياً إنجيلياً، يرى أن قيام إسرائيل وهيمنتها يعجل بقدوم المسيح المخلص الذي سيقود معركة «هرمجدون»، التي ستؤدي إلى الانتصار على الكفار وباتّباع اليهود للمسيح أو قتلهم، وهذه العقيدة لا تخدم اليهود في النهاية، ولكنها بالنسبة إلى الصهاينة محطة في اتجاه الحصول على الدعم الأميركي.
وقد رأت صحيفة الأوبزرفر البريطانية أن دور الولايات المتحدة كوسيط سلام في المنطقة انتهى بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وهي محقة في ذلك لولا أن الموقف العربي كان متآمراً لمصالح ومكاسب مختلفة.
وقد كشف قرار ترامب عن ازدواجية مواقف قادة كل من مصر والسعودية، فهم يرفضون القرار علناً ويتعاونون معه سراً، باستثناء الأردن الذي أبدى معارضة شرسة للقرار دون أن يتمكن من زحزحة الموقف الأميركي. كذلك إن اعتراض الأردن يمكن احتواؤه بالمساعدات المالية، ولكن مسألة السيادة على الأماكن المقدسة تظل عقدة خاصة بعد تدخل السعودية في المنافسة عليها.
وفي هذا الإطار؛ جاءت تصريحات رئيس لجنة خدمات الدفاع في مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين التي قال فيها إن مصر تتقهقر إلى الوراء، مشيراً إلى أن حملة عبد الفتاح السيسي غير المسبوقة على «النشاط السياسي وحقوق الإنسان الأساسية أدت إلى سجن عشرات الآلاف من المعارضين، بمن فيهم 19 مواطناً أميركياً ونحو 3500 شاب».
وقال معلقون سياسيون إن الإدارة الأميركية تُدرك أن السيسي انقلابي وقاتل، ولكنها تحتاجه -في هذا الوقت- لاستكمال صفقة القرن، خصوصاً في الشق المتعلق منها بسيناء.
مستقبل التسوية والصراع
أما بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، فقد بدأ التلويح بالعصا لعباس حين قال ترامب إن «الفلسطينيين قللوا من احترام الولايات المتحدة، وإذا لم يوافقوا على العودة إلى محادثات السلام برعاية واشنطن، فإننا سنعلق مساعدات بمئات ملايين الدولارات». وأعرب عن أمله في أن «يعود الفلسطينيون إلى المنطق السليم للسعي من أجل السلام».
من ناحية أخرى، أكد ترامب -خلال اجتماعه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتن ياهو على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس- أن «السفارة الأميركية سيتم افتتاحها بالقدس في وقت ما من العام المقبل... لقد أزلنا القدس من طاولة المفاوضات» حول أي تسوية قادمة مع الفلسطينيين.
ومن ناحيتها، قالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي-في كلمة لها بالأمم المتحدة- إن «عباس رفض دور واشنطن في عملية السلام»، مؤكدة أن «السلام الحقيقي يتطلب قيادة لديها إرادة ومرونة للمضي في عملية السلام، إلى جانب الاعتراف بالحقائق الصعبة».
يأتي ذلك رغم ضعف موقف السلطة أصلاً، حيث رفض عباس الانطلاق من المجلس المركزي الفلسطيني لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن التسوية وإسرائيل، كما فشل في إنجاز إجماع وطني فلسطيني لمواجهة تصفية القضية، إذ لم ينعقد المجلس الوطني بحضور كافة القوى بما فيها حماس والجهاد، ورفض اتخاذ أي خطوات لإطلاق مصالحة حقيقية ووقف حصار غزة على الأقل.
وأمام هذا التصهين الأميركي، وانهيار عملية التسوية، وافتقار السلام الإقليمي إلى أي فرصة للحل رغم اندماج السعودية ومصر فيه؛ تبرز الحاجة إلى موقف فلسطيني موحّد يستند إلى رؤية وطنية جامعة، للتصدي لخطر الهيمنة الصهيونية المدعومة أميركياً.
وفي هذا السياق؛ جاء خطاب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ليضع النقاط على الحروف، حين دعا إلى عقد مؤتمر فلسطيني شامل في الداخل والخارج، لمناقشة استراتيجية فلسطينية تتصدى للاستراتيجية الأميركية/الإسرائيلية لضرب قضيتنا الوطنية.
وطالب هنية بأن يكون على رأس الاستراتيجية: تعزيزُ المصالحة الوطنية على قاعدة الشراكة والديمقراطية، والإسراع بإنجاز خطواتها دون عوائق وتلكؤ، وإنهاء معاناة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية تلك الاستراتيجية في ظل فشل استراتيجية المفاوضات والتسوية، مضيفاً أن «أوسلو أصبح خلف ظهورنا، ونريد أن نتفق على المقاومة بكل أشكالها».}