العدد 1644 /25-12-2024
محمد البديوي
تتجه الإدارة الأميركية الحالية، بحسب ما علمت به
"العربي الجديد"، إلى رفع العقوبات عن سورية لمدة عام واحد، وذلك قبل 20
يناير/كانون الثاني المقبل موعد تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب. ومن المتوقع
أن يشمل القرار العقوبات الأميركية على نظام بشار الأسد بما فيها عقوبات "قيصر"،
التي وافق الكونغرس الأميركي على تمديدها ضمن قانون تمويل الدفاع الوطني الأميركي
للسنة المالية 2025، والذي من المنتظر أن يوقعه الرئيس جو بايدن خلال أيام.
ويبدو أن رفع العقوبات عن سورية والمحدد زمنياً
يهدف إلى منح السلطة الجديدة ما يشبه فترة اختبار لتقييم أداء هيئة تحرير الشام
التي تقود السلطة حالياً، ليس فقط على صعيد الداخل السوري بل أيضاً تجاه ما تعتبره
الولايات المتحدة أولوية لها، وهو ما بدأ ينعكس في مقالات تُنشر في الصحف
الأميركية تدعو إلى ربط هذا الملف بـ"نتائج واضحة"، على غرار ما نشره
ماثيو ليفيت، الزميل في معهد واشنطن ومدير برنامج راينهارد لمكافحة الإرهاب
والاستخبارات، في صحيفة لوس أنجليس تايمز في 13 ديسمبر/كانون الأول الحالي. وكتب
ليفيت: "حدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن كيف يجب أن تبدو عليه عملية
الانتقال السياسي في سورية لكي تعترف الولايات المتحدة بالحكومة السورية
المستقبلية: احترام حقوق الأقليات، وتسهيل المساعدات الإنسانية لجميع المحتاجين،
ومنع استخدام سورية قاعدةً للإرهاب، ومنع سورية من تشكيل تهديد لجيرانها، وضمان
تأمين أي مخزونات من الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية وتدميرها بأمان".
ويأتي التوجه إلى رفع العقوبات عن سورية بعدما زار
وفد أميركي، ترأسته مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف يوم
الجمعة الماضي دمشق، حيث التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.
وفي السياق، أعلنت السفارة الأميركية في دمشق، في بيان وقتها، أن ليف اجتمعت
"مع مسؤولين من هيئة تحرير الشام لمناقشة المبادئ التي اتفقت عليها الولايات
المتحدة وشركاؤها في العقبة"، في إشارة إلى الاجتماع في مدينة العقبة جنوبي
الأردن الذي شارك فيه مسؤولون عرب وغربيون وخلص إلى دعم العملية السياسية الشاملة
بقيادة سورية، والتي تؤدي إلى حكومة تمثيلية تحترم حقوق جميع السوريين. وأضافت، في
منشور على حسابها في منصة إكس: "كما تطرقوا إلى الأحداث الإقليمية ونية سورية
أن تكون جارة جيدة وأهمية الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب". وأوضحت أن ليف
التقت أيضاً في دمشق مجموعة متنوعة من السوريين (قادة المجتمع المدني والناشطين
وغيرهم) "لسماع آرائهم بشكل مباشر حول رؤيتهم لمستقبل بلادهم وكيف يمكن
للولايات المتحدة أن تساعد في دعمهم". يشار إلى أن الإدارة الأميركية قررت
أخيراً إلغاء المكافأة المالية التي رصدتها منذ العام 2017، والمحددة بعشرة ملايين
دولار، مقابل أي معلومات تفضي للقبض على الشرع، الذي كان يُعرف بأبو محمد
الجولاني.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت على مدى السنوات
التي أعقبت الثورة السورية مجموعة من العقوبات، بعضها على النظام وأفراد أسرة
الأسد وبعضها على قوى معارضة. ويتسبب الكثير من العقوبات الأميركية، والتي جاءت
ضمن قوانين "قيصر" و"كبتاغون 1 و2" في حظر التجارة والمعاملات
الأخرى مع الحكومة السورية، ما كان له تأثير سلبي كبير على الاقتصاد السوري.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن
الوعود الأميركية الحالية تتمثل في رفع العقوبات عن سورية من خلال الحصول على ما
يطلق عليه "التراخيص المؤقتة"، وهي ضمن سلطات الرئيس ووزارة الخزانة،
والتي تعني نوعاً من العفو الكامل عن العقوبات، بما في ذلك التعاملات الاقتصادية
والاستيراد، بما سيمكن الحكومة السورية الحالية من إجراء تعاملات مع دول العالم.
وعلقت إدارة الرئيس جو بايدن جزءاً من العقوبات
على سورية في فبراير/شباط 2023، تزامناً مع الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية. وأعلنت
وزارة الخزانة الأميركية، وقتها، أن العقوبات المفروضة على سورية لن تنطبق على
المعاملات المتعلقة بتقديم المساعدات الإنسانية، وذلك لمدة خمسة أشهر. وسمح وقتها
مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بإتمام جميع
المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال لسورية، والتي كانت محظورة بموجب
العقوبات.
رفع العقوبات عن سورية لمدة عام
وفي السياق، كشف رئيس المجلس السوري الأميركي
فاروق بلال، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنهم تلقوا وعوداً شفهية من
إدارة بايدن بأنه سيتم رفع العقوبات عن سورية لمدة عام، مشيراً إلى أن المجلس
التقى على مدار الأيام الماضية عدداً من أعضاء الكونغرس الأميركي ومجلس الأمن
القومي وموظفين في البيت الأبيض لنقل طلبات الشارع السوري إليهم. وأضاف أن هناك
ردة فعل إيجابية مع سقوط نظام الأسد، وتريد الإدارة الأميركية حكومة مستقرة تمثل
جميع أطياف الشعب السوري، وتسعى للمساعدة ولعب دور بارز في دعم الشعب السوري في
هذه المرحلة. وأوضح أنهم تلقوا وعوداً بحصول سورية على إعفاء من العقوبات من خلال
"التراخيص المؤقتة" التي هي ضمن سلطة الرئيس ووزارة الخزانة، ومن
المتوقع الحصول عليها قبل مغادرة بايدن البيت الأبيض.
وقال بلال: "عملنا منذ سقوط نظام بشار الأسد
على عدة أمور مستعجلة لتلبية المطالب على الأرض للسوريين، منها الدعم الإنساني
المستعجل، بالإضافة للسعي إلى رفع العقوبات عن سورية لتسهيل أمور العمل داخل
البلد، عن طريق دخول المنظمات السورية وإزالة التصنيف (الإرهابي) عن هيئة تحرير
الشام". وكشف أنه شارك، خلال الأسبوع الماضي، في اجتماع مع مكتب مستشار مجلس
الأمن القومي. كما كانت هناك اتصالات مع البيت الأبيض ومنظمة "USAID"، من أجل طرح مطالب الشعب السوري واحتياجاته الطارئة وضرورة
رفع العقوبات عن سورية لإيصال المساعدات والدعم، مع التواصل مع النظام السوري
الحالي لمعالجة أسباب وجود هذه العقوبات لتتم إزالتها بشكل كامل في المستقبل.
وأشار إلى أن هناك نقاشات تمت مع أعضاء في الكونغرس عقب سقوط نظام الأسد لزيادة
الدعم المستعجل إلى سورية إلى 100 مليون دولار بدلاً من 20 مليوناً، ويوجد تنسيق
كامل مع "USAID"
من أجل وصول هذه المساعدات في أسرع وقت ممكن.
ولفت بلال إلى أن المطالب الأميركية تحث الحكومة
السورية الحالية على عدة أمور، أولها حقوق الأقليات وضمان حقوق المرأة، والعمل على
انتقال سياسي يشمل مختلف أطياف المجتمع السوري، لافتاً إلى أن هناك تنسيقاً بين
المجموعات السورية في واشنطن التي تسعى للتواصل مع المشرعين والمسؤولين الأميركيين
والمجموعات على الأرض في سورية.
قنوات اتصال مع إدارة ترامب
وأشار بلال إلى أنه تم، خلال الفترة الماضية، فتح
قنوات اتصال مع فريق الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، موضحاً أنهم
لا يمانعون في رفع العقوبات عن سورية لمدة عام في انتظار تحسن الأوضاع في البلد،
والتزام الحكومة السورية الجديدة بالتعهدات التي قطعتها على نفسها، مشيراً إلى أنه
يتم التواصل معهم حالياً لمساعدة السوريين، وهناك ترحيب من فريق ترامب بالنتائج
الحالية في سورية ورغبة في المساعدة.
وكانت الإدارات الأميركية وضعت عقوبات على قطاعي
الطيران والشحن، وحظر التعامل مع الخطوط الجوية السورية، وتجميد أصول الشركات التي
تدعم عمليات الشحن البحري للنظام السوري، وعلى قطاع التكنولوجيا في سورية تشمل منع
الشركات الأميركية من تقديم خدمات الإنترنت أو الاتصالات للحكومة السورية، وحظر
التعامل مع البنوك السورية، بما في ذلك تجميد جميع الأصول المالية للبنك المركزي
السوري في الولايات المتحدة، ومنع أي تحويلات مالية إلى سورية. كما تتضمن العقوبات
قيوداً على إعادة الإعمار، وإخضاع أي شركة أو فرد يشارك في مشاريع إعادة الإعمار
التي تديرها الحكومة السورية لعقوبات أميركية، ومنع تصدير المنتجات النفطية إلى
سورية، واستهداف شركات تنقيب الطاقة التي تعمل لمصلحة الحكومة السورية.
وتتضمن عقوبات الكونغرس، إلى جانب قوانين
"قيصر" و"كبتاغون 1 و2"، قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة
لبنان (2003)، والذي يفرض قيوداً على تصدير السلع والتكنولوجيا إلى سورية، وقانون
حظر المساعدات الاقتصادية الأميركية لسورية. وتسببت هذه العقوبات في تعطيل الوصول
إلى المساعدات الإنسانية الدولية، ونقص الموارد وتدهور قطاعي الصحة والتعليم،
وتعميق الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية، وانهيار العملة السورية والتضخم وصعوبة
في توفير المواد الأساسية للسكان. كما أصدر الرئيس الأسبق باراك أوباما عدة أوامر
تنفيذية، هي 13572 (2011)، وتم فيه فرض عقوبات على مسؤولين سوريين بارزين بسبب
انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك قمع التظاهرات السلمية، و13573 (2011)، وتم فيه
تجميد أصول بشار الأسد وكبار المسؤولين الحكوميين، و13608 (2012) وتم فيه فرض
عقوبات على الأفراد والشركات التي تهرّب الأموال أو تتجاوز العقوبات الأميركية.