العدد 1644 /25-12-2024
على الرغم من أن إيران
تمتلك أحد أكبر احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في العالم وتعد من الدول الرئيسية
المصدرة، إلا أنها تواجه أزمة كهرباء غير مسبوقة في وقت بالغ الحساسية، حيث تعاني
من نكسات جيوسياسية كبرى، ما يدفع الحكومة إلى الاستنفار عبر جعل أولوية إمدادات
الغاز والكهرباء للمنازل خلال هذا الشتاء لتفادي أي غضب شعبي، بينما اضطر الكثير
من المصانع إلى الإغلاق، وتعطل العديد من الخدمات.
أغلقت المكاتب الحكومية
أو تعمل لساعات مخفضة، كما انتقلت المدارس والجامعات إلى العمل عبر الإنترنت للمرة
الأولى منذ جائحة فيروس كورونا التي ضربت العالم قبل نحو أربع سنوات، وانحدرت
الطرق السريعة ومراكز التسوق إلى الظلام.
وتعاني إيران من أزمة
طاقة كاملة، يمكن أن تُعزى إلى سنوات من العقوبات وسوء الإدارة والبنية الأساسية
المتقادمة والاستهلاك المسرف، والهجمات من قبل إسرائيل. وقال الرئيس مسعود بزشكيان
في خطاب تلفزيوني مباشر إلى الأمة هذا الشهر: "نحن نواجه اختلالات خطيرة
للغاية في الغاز والكهرباء والوقود والمياه والمال والبيئة... كل هذه الأمور على مستوى
يمكن أن تتحول إلى أزمة". وفي حين تكافح إيران منذ سنوات مع مشاكل في بنيتها
الأساسية، حذر الرئيس من أن المشكلة وصلت إلى نقطة حرجة.
خلال معظم الأسبوع
الماضي، كانت البلاد مغلقة فعلياً لتوفير الطاقة. وبينما كان المواطنون غاضبين
وقادة الصناعة قلقين من حجم الخسائر المصاحبة التي تقدر بعشرات مليارات الدولارات،
لم يستطع بزشكيان تقديم حلّ آخر غير التعبير عن أسفه قائلا: "يجب أن نعتذر
للشعب لأننا في موقف يتعين عليه تحمل العبء الأكبر... إن شاء الله، سنحاول العام
المقبل ألا يحدث هذا".
لكن انقطاعات التيار
الكهربائي قد تستمر على نطاق واسع أياماً أو أسابيع. وقال المسؤولون إن العجز في
كمية الغاز التي تحتاجها البلاد يبلغ حوالي 350 مليون متر مكعب يومياً، ومع انخفاض
درجات الحرارة وارتفاع الطلب، اضطر المسؤولون إلى اللجوء إلى تدابير متطرفة لتقنين
استهلاك الغاز. فقد واجهت الحكومة خيارين قاسيين، إذ اضطرت إما إلى قطع الغاز عن
المنازل السكنية أو إغلاق الإمداد لمحطات الطاقة التي تولد الكهرباء. وقد اختارت
الحل الثاني، لأن قطع الغاز عن الوحدات السكنية من شأنه أن تترتب عنه مخاطر أمنية
خطيرة وسوف يقطع المصدر الأساسي للحرارة بالنسبة لمعظم الإيرانيين.
وقال حامد حسيني، عضو
لجنة الطاقة في غرفة التجارة الإيرانية، في تصريحات عبر الهاتف، وفق تقرير لصحيفة
نيويورك تايمز، إن "سياسة الحكومة هي منع قطع الغاز والتدفئة عن المنازل بأي
ثمن.. إنهم يكافحون لإدارة الأزمة واحتواء الأضرار لأن هذا يشبه برميل البارود
الذي يمكن أن ينفجر ويخلق اضطرابات في جميع أنحاء البلاد".
وبحلول يوم الجمعة
الماضي، أُوقف تشغيل 17 محطة كهرباء بالكامل ولم تعد بقية المحطات تعمل إلا
جزئياً. وحذرت شركة الطاقة الحكومية المنتجين في مختلف القطاعات، من الصلب إلى
الزجاج إلى المنتجات الغذائية إلى الأدوية، للاستعداد لانقطاعات التيار الكهربائي
على نطاق واسع، والتي قد تستمر أياماً أو أسابيع.
أزمة في وقت جيوسياسي
بالغ الصعوبة
تأتي أزمة الطاقة في وقت
بالغ الصعوبة جيوسياسياً، فقد تقلصت مكانة إيران الإقليمية قوةً فاعلةً بشكل كبير
في أعقاب سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد، والحرب التي شنتها إسرائيل على حزب
الله اللبناني والتي تشير التقارير إلى أنها أضعفته كثيراً، حيث جرى اغتيال الأمين
العام للحزب حسن نصر الله ونائبه هاشم صفي الدين بالإضافة إلى قيادات بارزة في
الحزب.
كما من المتوقع أن تؤدي
عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني
المقبل إلى فرض أقصى قدر من الضغوط على النظام الإيراني، إذ يتوقع اتخاذ إجراءات
من شأنها أن تزيد الضغط كثيراً على الاقتصاد ومنابع إيراداته المتمثلة في تصدير
النفط والغاز. وفي الأثناء، شهدت عملة البلاد، الريال، هبوطاً حراً الأسبوع
الماضي، حيث هبطت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار، وكل هذا جعل
الحكومة عُرضة للخطر وهي تكافح لاحتواء كل أزمة.
إسرائيل تفجر خطي أنابيب
غاز
وهناك عامل أقل شهرة أدى
إلى تفاقم أزمة الطاقة هذا العام، ففي فبراير/شباط الماضي، فجرت إسرائيل خطي
أنابيب للغاز في إيران كجزء من حربها السرية مع البلاد، وفق تقرير نيويورك تايمز.
ونتيجة لهذا، استغلت الحكومة بهدوء احتياطيات الغاز الطارئة لتجنب انقطاع الخدمة
عن ملايين الأشخاص، وفقاً لمسؤول من وزارة النفط وحامد حسيني، عضو لجنة الطاقة في
غرفة التجارة.
ويوم الخميس الماضي،
قالت الحكومة إن جميع المدارس والتعليم العالي ستنتقل إلى العمل عبر الإنترنت
لبقية الفصل الدراسي، الذي يستمر ثلاثة أسابيع أخرى تقريباً، وهو إجراء لم يُتخذ
منذ وباء كورونا. لكن محافظ طهران محمد صادق معتمديان خرج ليعلن، يوم الجمعة
الماضي، أن المدارس هناك ستكون مفتوحة يوم السبت بسبب الامتحانات النهائية. وستعمل
المكاتب الحكومية بساعات مخفضة، وتنتهي في الساعة الثانية مساءً حتى إشعار آخر
للحد من استهلاك الطاقة.