بلال الطبعوني

يعيش العالم العربي حالة من التشرذم الذاتي، والإخفاق في تجاوز المحن التي يعاني منها، وباتت تنهكه الصراعات الداخلية، والحروب والأزمات والفساد، فضلاً عن حالة الإحباط والنقمة وعدم الانسجام بين السلطات الحاكمة والشعوب، خصوصاً في الدول التي نجحت فيها الثورات، نتيجة الفشل في ادارة الأزمات، وغياب الرؤية الواضحة للمستقبل.
نبدأ بسوريا التي تعاني أكبر المحن، حيث يمزقها الاحتراب الداخلي، التهجير، الدمار، أضف إلى ذلك التدخلات العسكرية الخارجية التي لا مبرر لها، التي تحصد أرواح المدنيين، وتساهم في تعقيد الأزمة. ولا يبدو أن هناك أي أفق لحل سياسي قريب في سوريا، بسبب تعنت كل الأطراف في موافقها، وعدم جدّية النظام في حل منطقي، نظراً إلى ما آلت اليه البلاد من الخراب، وإصراره على فرض الحل العسكري. 
اليمن «السعيد» هو الآخر ليس له في اسمه حظ، فالبلد الذي قامت فيه ثورة سلمية حضارية -علماً ان عدد قطع السلاح فيه يبلغ ضعف عدد السكان- وتم خلع طاغية قدّر حجم ثروته بالمليارات، في بلد معظم سكانه تحت خط الفقر، لم ينعم بالاستقرار من حينها، فبعد تحالف أعداء الأمس (الحوثي وصالح) اتجهت البلاد نحو الهاوية، خصوصاً بسبب جشع الطرفين للسلطة، ورغبتهما بالتوسع خدمة لأجندات خارجية معروفة.
والظاهر أن مفاوضات الكويت تتجه إلى الفشل، نظراً إلى السياسة الملتوية التي يعتمدها الحوثيون، وعدم رغبتهم بالتفريط في المكاسب التي حققوها.
أما بلاد الرافدين، فحدّث ولا حرج. داعش يعيث فساداً في البلاد، وحشد شعبي طائفي لا يراعي الحساسيات الطائفية، ويرتكب التجاوزات التي تزيد الاحتقان، ما يوجد بيئة حاضنة للمجموعات المناهضة للدولة. وما يزيد الطين بلة، الفساد المستشري بشكل هائل في مفاصل الدولة، والذي يهدد بانهيارها في أي وقت، خصوصاً أن جميع الأطراف تكيل الاتهامات لبعضها بالفساد.
وإلى فلسطين نعرّج، حيث سياسات التهويد والاستيطان والتدنيس والحصار والظلم، لا تزال تتصدّر المشهد كالعادة، في وسط هبّة شعبية ناقمة على الاحتلال، لا تجد لها عند السلطة ملجأَ.
وعندما نصل إلى ليبيا، نرى حكومتين وبرلمانين وعدة جيوش .. الاحتراب الداخلي سيّد الموقف، والغرب يعمل لمصلحته ولا يبقي من خيرات ليبيا شيئاً.
أرض الكنانة هي الأخرى لا تزال تئنّ تحت الظلم والقهر، ولا نرى البلاد إلا وهي تعود أعواماً إلى الوراء، ولا توجد رؤية لحل أي من الأزمات التي تعصف بمصر في ظل جنون العظمة التي ترى السلطة فيه نفسها.
بعد كل ما قيل، لم نبصر من «الربيع العربي» الذي استبشرنا به خيراً في البداية إلا الويلات، فالغرب من جهة يتحكم بمصائرنا، ونحن غير مهيّئين للديموقراطية بعد، خصوصاً أن النماذج التي وصلت للحكم، وقفت على جبال من الظلم والفساد والقمع والإجحاف، ولم تستطع في بضع سنوات أن تنهي إرثاً عمره عقود من جور، لا يزال يتحكم من وراء الكواليس في مصائر الشعوب وخياراتها. 
التعويل فقط على صحوة هرمية تشمل إحساس الجميع بمسؤولية حقيقية، وإلا فإننا لن نستمر إلا في حصاد الفشل تلو الفشل.