حسين عبد العزيز

لم يكن مفاجئاً أن يعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري وجود خلافات مع السعودية حيال سوريا، بل المفاجأة والغرابة تكمن في تأخر إعلان هذه الخلافات بعدما باعدت ملفات المنطقة بين البلدين، ووضعت كلاً منهما في محور إقليمي ودولي مناقض للمحور الآخر. 
وتتضاعف الغرابة وتتزاحم الأسئلة عن الأسباب التي جعلت الطرفين يتمسكان بتحالفهما وإخفاء أي خلاف عن مسامع الإعلام، وإظهار مستوى عال من التحالف كما حدث مع زيارة الملك سلمان للقاهرة. 
تلاقٍ مرحلي 
حكمت معاداة الإخوان المسلمين العلاقة بين مصر والسعودية مع الملك عبد الله، حيث يمكن القول إن العلاقة بين الجانبين اختزلت في هذه المسألة، وبقيت الملفات الإقليمية الأخرى في مستوى ثان. 
وجدت السعودية آنذاك في عبد الفتاح السيسي المخلص القادر على إبعاد الإخوان من المشهد السياسي المصري بشكل قسري وحازم، مع ما يعنيه ذلك من القضاء على أية محاولة إخوانية لتصدر المشهد الإقليمي وتقديم مشروع ديني سياسي، فأمنت دول الخليج للسيسي الدعم السياسي والاقتصادي الكافي للمضي في مشروعه الانقلابي وتثبيت حكمه.
كان ثمة قناعة لدى صناع القرار في الرياض أن الدعم السياسي والاقتصادي الكبير للسيسي من شأنه أن يُسهم في تبديل مواقفه من ملفات الإقليم تدريجاً، خصوصاً في الملفين السوري واليمني، وكان ثمة قناعة مقابلة لدى السيسي بأن وزن مصر الإقليمي يشكل فائدة للسعودية، وضرورة هي بحاجة لها في هذا الوقت مع انهيار القطب العربي الثالث (سوريا) وهيمنة الإيرانيين على العراق وسوريا ولبنان وجزء من اليمن.
لكن أحداث المنطقة كشفت أن قضايا المنطقة المعقدة وطبيعة الاصطفافات الإقليمية الحاصلة أوسع بكثير من مجرد اختزال العلاقة بين الدولتين إلى مجرد معاداة الإخوان. 
هكذا اكتشفت الرياض مع الملك سلمان أن تقوية المحور الذي تدعمه في مواجهة المدّ الإيراني بالمنطقة يتطلب استراتيجية جديدة وتحالفات أوسع وأعمق، فبدأت عملية انفتاح أوسع على المحور القطري التركي ما لبثت أن تحولت إلى تحالف، ثم «انفتاح» على الإخوان المسلمين وإن كان نسبياً وحذراً، وقد استقبلت الرياض التجمع اليمني للإصلاح ورفعت القيود عنهم كخطوة ضرورية لموجهة الحوثيين وإيران. 
وهكذا اكتشف السيسي أيضاً أن الإبقاء على حكمه العسكري يتطلب تحالفاً دولياً ضد الإخوان المسلمين في سوريا واليمن وليبيا يتجاوز العلاقات مع السعودية. 
منشأ الخلاف 
برزت حدة الخلافات بين العاصمتين في سوريا أولاً، حيث سعت القاهرة إلى تعميم رؤية هي أقرب للموقف الإيراني منها للموقف الخليجي عامة والسعودي القطري خاصة، فقد طالبت القاهرة بحل سياسي خارج مخرجات إسقاط النظام على الطريقة الليبية أو حتى على الطريقة اليمنية، وتبنت رأياً يتماهى مع الموقف الإيراني الروسي، محوره إيجاد تسوية سياسية يكون الأسد شريكاً فيها، فيما تتبنى الرياض ودول الخليج موقفاً يعتبر النظام السوري والأسد جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، وبالتالي إن أي حل سياسي يجب أن يكون على أنقاض النظام.
وفي وقت دعمت فيه الرياض مع الدوحة فصائل عسكرية تقاتل النظام السوري، اتجهت القاهرة نحو دعم الجيش السوري عسكرياً على غرار طهران وبغداد تحت عنوان مكافحة الإرهاب.
ومع تراجع الدعم الاقتصادي السعودي لمصر بشكل واضح لأسباب سياسية وأخرى اقتصادية، بدأ السيسي يعزز مكانته ضمن المحور الروسي الإيراني، ويُسهم بمنح الروس والإيرانيين غطاءً سياسياً داخل المنظومة العربية. 
وإلى جانب الملف السوري واليمني والإيراني، كان للملف الليبي نصيبه في الخلاف بين الدولتين، وإن كان بمستوى أقل، فقد أيد السيسي سياسياً وعكسرياً الجنرال خليفة حفتر واعتبره رأس الحربة في إبعاد الإخوان من المشهد العسكري الليبي ومن ثم المشهد السياسي، فيما ترفض الرياض اختزال المشهد الليبي بشخص حفتر. كما أن الموقف المصري في مجلس الأمن الدولي جاء صادماً للسعودية، عندما صوّت المندوب المصري إلى جانب المشروع الروسي وليس المشروع الذي دعمته فرنسا وأميركا وأغلبية المجلس بشأن حصار مدينة حلب. 
وهكذا أصبحت السعودية طرفاً رئيسياً في محور إقليمي دولي، عماده هي وقطر وتركيا والولايات المتحدة ودول أوروبية، مقابل محور روسي إيراني عراقي مصري.
حدود الخلاف 
ثمة مؤشرات حدثت خلال الفترة الأخيرة تؤشر إلى أن الهوة بين البلدين تتسع وتتعمق، وأن الدولتين مقبلتان على خريف سياسي.
مشاركة أربعة من أهم المرجعيات الإسلامية المصرية (شيخ الأزهر، مفتي مصر، ومستشار الرئيس للشؤون الإسلامية، المفتي السابق) في مؤتمر غروزني الذي انعقد في العاصمة الشيشانية تحت عنوان «من هم أهل السنّة والجماعة»، واعتبر «الوهابية» خارج هذا التعريف.
المشاركة المصرية هذه تعتبر خروجاً على المألوف في القاموس السعودي، ورسالة واضحة من السيسي لصناع القرار في الرياض تؤكد قدرته على مناكفتها ليس فقط في الشؤون السياسية، بل أيضاً في الشؤون الدينية.
والحقيقة أن السعودية يمكن أن تتسامح في كثير من القضايا، لكن الأمر في مسألة المرجعية الدينية مختلف، والمفارقة الغريبة أن الطعنة التي حاولت الرياض تفاديها من الإخوان المسلمين في مصر جاءت من السيسي نفسه.
ومع كل هذه التباينات يبقى من المبكر الحديث عن أزمة بين الدولتين، أو الحديث عن افتراق سياسي، فالرياض طالما امتازت بسياسة هادئة غير متشنجة خصوصاً مع الدول العربية.
كما أن السعودية ليست في وارد إحداث أزمة سياسية مع مصر لن تؤدي إلى تغيير في مواقف السيسي، ولذلك فقد اعتمدت السعودية سياسة الابتعاد التدريجي عن السيسي، مع ما يعنيه ذلك من وقف الدعم له، دون أن يصل الأمر إلى حد القطيعة كما هو الحال بين قطر ومصر. 
وبالمقابل, سيحاول السيسي التعويض عن الستاتيكو السياسي الحاصل بين البلدين بسبب ملفات المنطقة، بالتركيز على ملفات أخرى (الحفاظ على حد أدنى من العمل العربي المشترك، الملف الاقتصادي بين البلدين). لكن الثابت بشكل أكيد أن الهوة بين الدولتين تتسع وتتعمق شيئاً فشيئاً مع التسارع والتوتر الحاصل في عموم المنطقة، ومع رؤيتين متناقضتين لا تلتقيان: الأولى ترى في التمدد الإيراني الخطر الأكبر الذي يواجه الأمة العربية في هذا المفصل التاريخي، ورؤية لا تعتبر ذلك، وتضع الإخوان في مرتبة العدوّ الأكبر للأمة العربية.