العدد 1341 / 12-12-2018

أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية يوم الجمعة أن "الضمير العالمي أسقط المشروع الأميركي في الأمم المتحدة" ضد الحركة والمقاومة الفلسطينية.

وأثنى هنية على جميع الدول التي تبنت موقفامبدئيا ضد السياسة العدوانية لإسرائيل، وضد ترويج الروايات المنحازة.

واعتبر فشل المشروع الأميركي في إدانة حماس والمقاومة "إنجازا مهما للغاية بالنسبة لشعبنا الفلسطيني بمكوناته كافة"، ولكل من وقف ضد القرار.

وأشاد هنية بجهود السلطة الفلسطينية عبر مندوب فلسطين الدائم رياض منصور، في تحقيق هذا الإنجاز، وشكر "الحاضنة العربية والإسلامية" التي دعمت خطوات الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن ما جرى يؤكد شرعية نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال.

ومساء الخميس، أحبط أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة مساعي الولايات المتحدة لتمرير قرار يدين حركة حماس بتهم الإرهاب. وقبيل التصويت، وافقت الجمعية العامة على ضرورة حصول مشروع قرار واشنطن على أغلبية ثلثي أصوات الجمعية لاعتماده.

وفشل مشروع القرار الأميركي في الحصول على موافقة ثلثي الأعضاء، حيث وافقت عليه 87 دولة، وعارضته 57، وامتنعت 33 عن التصويت.

يشار إلى أن مشروع القرار الأميركي يدين حماس، وإطلاق الصواريخ من غزة، دون أن يتضمن أي مطالبة بوقف الاعتداءات والانتهاكات المتكررة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

ورحبت الرئاسة الفلسطينية برفض الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار الأميركي، وشكرت الدول التي صوتت ضده، وقالت إنها "لن تسمح بإدانة النضال الوطني الفلسطيني".

ورفض المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور دعوة المندوبة الأميركية نكي هيلي إلى إيجاد توازن بين المواقف إزاء كل من إسرائيل والفلسطينيين، وقال إنه يرفض "افتراض الحاجة إلى إيجاد توازن في قرارات الأمم المتحدة لاتخاذها ذريعة لتبنّي مواقف معادية للشعب الفلسطيني".

التصويت ضدّ حماس : انتصار أم هزيمة في الامم المتحدة ؟

بقلم: حسام شاكر

تجمح ثنائية الانتصار أو الهزيمة بكثير من التعليقات في الساحة الفلسطينية بشأن جولات التصويت التي جرت في الجمعية العامة يوم الخميس ٦ كانون الأول. تقوم هذه الثنائية أساساً على تقدير قطعي وقد تصف حالةً نمطية اعتيادية، لكنّ ما جرى لا يمكن قراءته ببُعد أوحَد، بل يقتضي التقدير بمنظور متعدد الأبعاد. أما القول إنه انتصار بطعم الهزيمة أو هزيمة بطعم الانتصار فهو زيادة في التكلّف، فما جرى يصعُب قياسه معيارياً على هذا النحو.

هناك قلق محقّ من اتجاه التصويت الكمي الكثيف مع مشروع القرار الأمريكي الداعم للاحتلال بواقع ٨٦ صوتاً مقابل ٥٦ صوتاً ضد. لكن لا ينبغي أن يغيب عن النظر هنا أنّ هذا التصويت غير قابل للمقارنة مع جولات تصويت سابقة بشأن فلسطين. فمشروع القرار الأمريكي جاء هذه المرة في اتجاه مختلف موضوعاً، وتم اختياره بعناية لتيسير تمريره وكبح معارضته في المداولات، فالدول التي تترافع ضد الاستيطان أو الجدار أو لرفض حسم مصير القدس للاحتلال لن تجد فرصة مشجعة للاصطفاف بوضوح في موقف يبدو دفاعاً عن المقاومة الفلسطينية أو نشاطها الميداني بالأحرى.

بهذا يصعُب الجزم بفرضية التراجع في تأييد القضية الفلسطينية بغضّ النظر عن منسوب هذا التأييد في السابق أو اللاحق، فمن قال أساساً إنّ النتيجة ستكون أفضل لو جرى تصويت على الموضوع ذاته وبالصيغة ذاتها قبل سنة أو أكثر؟ وهل شهدت المنصّات الدولية دفاعاً جماعياً مشهوداً من قبل عن المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد طول العهد بزمن حركات التحرر؟ دُعي العالم إلى تصويت على موضوع معروف سلفاً أنه شائك لمؤيدي فلسطين أو لناقدي الاحتلال. ونقد الاحتلال لا يقضي باعتبار أنّ مواقف الدول الناقدة مؤيدة لمقاومة الاحتلال الذي تنقده، والتفريق هنا مهم.

ثم جاء مشروع القرار الإيرلندي البديل خطوةً لإعادة النقاش إلى مساره النمطي الذي انحرفت جولة إدارة ترمب عنه؛ أي خطاب مشروع الدولتين. فالمشروع الأمريكي تجاوز ضمناً خطاب الرباعية ليذهب إلى جعل القضية الفلسطينية مسألة تهديد أمني تستوجب الإدانة الدولية. وتعي السلطة الفلسطينية أنّ المشروع الأمريكي يستهدفها من هذا الباب، وإن كان في شكله موجّهاً ضد المقاومة الفلسطينية.

مشروع القرار الأمريكي ضد حركة "حماس" هو كناية -اختزالية مقصودة- عن مقاومة الشعب الفلسطيني عموماً، ومن عادة حملات التحريض والتشويه اختزال المشهد بطرف مركزي ونسبة الشرور إليه تيسيراً للحشد ضد عموم المشهد المستهدف. وفي حملات العدوان الحربي على غزة كان استهداف "حماس" في صميم المضامين الدعائية لجيش الاحتلال وحكومته، رغم أنه استهداف لا ينحصر في واقعه وحجمه بحركة كبرى وحدها، فالدعاية تراهن هنا على إظهار طرف محدد على أنه يمثِّل المشكلة وأسّ البلاء بدل إظهار أنه استهداف لقضية وشعب ومقاومته، وهذا هو منطق الحملة الأمريكية- الإسرائيلية في الجمعية العامة.

هذا يشير ضمناً إلى مفتاح جوهري في خطاب التعامل مع حملة التحريض هذه، أي تأكيد أنّ الحملة في حقيقتها استهداف للقضية الفلسطينية والشعب وحقه في مقاومة الاحتلال والدفاع عن نفسه، وأنها محاولة لصرف الأنظار عن الاحتلال وجرائمه وانتهاكاته.

ومن المهم أيضاً ملاحظة أنّ مشروع القرار الأمريكي أدرج الطائرات الورقية والبالونات الحارقة ضمن موجبات الإدانة، وهذا تطوّر ينبغي التوقف عنده.

يغيب عن الملاحظة أنّ مواقف كثير من الدول التي صوّتت مع مشروع القرار الأمريكي هي هكذا تقريباً بصفة مستمرة في جزئية المقاومة الفلسطينية وحقها في الدفاع عن شعبها كما يتضح من البلاغات الأوروبية مثلاً. وعادة ما يصل الأمر حدّ وصف تلك الاعتداءات بـ"العنف" فقط؛ بينما يُوصَف أداء المقاومة بالهجمات أو حتى بـ"الإرهاب".

ومن التسرّع قياس أوزان التصويت التي جرت بالمقارنة مع جولات سابقة. صبّ مفعول الممتنعين عن التصويت هذه المرة، عملياً، في خانة "لا"، فالتحفّظ الذي ورد من ٣٣ دولة يحمل دلالة رفض ناعمة للموقف الأمريكي دون معارضته، خاصة وأنه كان صراعاً على كل صوت لاجتياز عتبة حسم الثلثين.

لا مبالغة بالاستنتاج بأنّ دفع الأسوأ مكسب، أو هو مكسب مهم بالأحرى، ولا يُعدّ هنا انتصاراً أو إنجازاً أو ربحاً للموقف الفلسطيني بالمعنى النمطي، ومثل هذه الأوصاف الدعائية لا تساعد على وصف موقف مركّب ومعقّد ومتعدد الأبعاد.

المراهنة المتزايدة على حملة علاقات عامة فلسطينية مطلوبة لإقناع الدول بالحق في المقاومة، بعد ما اتضح في جولة الخميس، هي ضرب من المبالغة وربما تبديد الجهد. الأولوية ينبغي أن تكون لإعادة اتجاه النقاش الدولي إلى الاحتلال وجرائمه وانتهاكاته، وحرف النقاش على طريقة الخطوة الأمريكية - الإسرائيلية التي جرت عبر الجمعية العامة لا ينبغي التهاون معه. إن كان مشروع القرار الأمريكي أخفق.

ليس في السلوك التصويتي الذي ارتئي الخميس ما يشير إلى تأييد دولي للمقاومة الفلسطينية، ولا يقضي ذلك بالعكس أيضاً. وقد يكون من الواقعية أن لا تتوقّع المقاومة الفلسطينية تأييداً جماعياً صريحاً لأدائها الميداني في المنابر الدولية، الذي سيواجِه على الأرجح مزيداً من النكران والخذلان من أوساط دولية. على الشعوب أن تناضل في كفاحها العادل على منوال حركات التحرّر دون أن تتوقع تصفيقاً أممياً إلا يوم انتصارها.

المركز الفلسطيني للإعلام