صالح النعامي

لا خلاف في تل أبيب على تعاظم مستوى الدافعية لدى تنظيم «ولاية سيناء» بشكل غير مسبوق للمس بالأهداف الإسرائيلية، في أعقاب تواتر الشواهد والأدلة على الدور الكبير والحاسم للجيش الإسرائيلي في الحرب التي تشنها مصر على التنظيم.
ومثلت الخطوة غير المسبوقة التي أقدمت عليها إسرائيل قبل أسبوع بإغلاق معبر «طابا» الحدودي عشية عيد «الفصح» اليهودي، ومنع السياح الإسرائيليين من دخول سيناء؛ ترجمة لمخاوف هذه النخب من ردود فعل محتملة للتنظيم على الشراكة بين نظام السيسي وحكومة تل أبيب. وقد برّر ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية القرار الدرامي بإغلاق المعبر بوجود معلومات استخبارية «دقيقة» حول عزم التنظيم على ضرب أهداف إسرائيلية.
اعتراف إسرائيلي بالغارات
تدرّجت إسرائيل في إفصاحها عن الجهد الحربي الذي تقوم به في حرب نظام السيسي ضد تنظيم «ولاية سيناء». فقد نقل موقع وكالة «بلومبيرغ» الأميركية قبل عام تقريباً عن مسؤول إسرائيلي أمني سابق قوله إن إسرائيل شرعت -منذ عام 2014- في شن غارات جوية باستخدام الطائرات بدون طيارضد قادة وعناصر «ولاية سيناء»، بناء على طلب وتنسيق مع نظام السيسي.
وقد تطرق كبار المعلقين الصهاينة المرتبطين بمؤسسة الحكم إلى الغارات الإسرائيلية التي تستهدف تنظيم «ولاية سيناء» بالتنسيق مع السيسي، حيث انتقد يوسي ميلمان المعلق العسكري في «معاريف» تسريب المعلومات بشأنها، على اعتبار أن هذه التسريبات تمس بمكانة السيسي أمام شعبه، مما يضر في النهاية بإسرائيل (معاريف، 11 تموز 2016).
في حين دافع رون بن يشاي كبير المعلقين في «يديعوت أحرنوت» عن التسريبات وطالب بأن تعلنها إسرائيل بشكل رسمي، تماماً كما تعلن الولايات المتحدة غاراتها التي تنفذها الطائرات بدون طيار في أفغانستان وباكستان واليمن وغيرها (يديعوت أحرنوت، 11 تموز 2016).
ومما لا شك فيه أن أوضح إقرار رسمي بشن الغارات بواسطة الطائرات بدون طيار في سيناء جاء على لسان وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قبل حوالي شهرين، عندما قال -في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي- إن غارة أدت إلى تصفية خمسة من عناصر «ولاية سيناء» جاءت رداً على إطلاق التنظيم صواريخ على مدينة «إيلات».
منظومة شراكة متكاملة
إذا كانت الغارات الإسرائيلية التي تستهدف تنظيم «ولاية سيناء» هي المظهر الأبرز للشراكة والأكثر فجاجة بين تل أبيب ونظام السيسي، فإن هناك مظاهر أمنية واستخبارية وسياسية أخرى لهذه الشراكة لا تقل أهمية. فقد أقر قائد شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي الجنرال نيتسان ألون بأن إسرائيل تزوّد الجيش المصري بمعلومات استخبارية تساعده على استهداف «ولاية سيناء» (هارتس، 2 تموز 2016).
وكشفت صحيفة «معاريف» تفاصيل دقيقة حول طابع المساعدة الاستخبارية التي تقدمها إسرائيل للجيش المصري، حيث أشارت إلى أن وحدة التجسس الإلكتروني (وحدة 8200) التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) تزوّد الجيش المصري بمعلومات استخبارية يتم الحصول عليها عبر عمليات التصوير التي تقوم بها الطائرات بدون طيار أو الأقمار الصناعية، فضلاً عن دور الوحدة في اعتراض المكالمات التي يجريها قادة وكوادر «ولاية سيناء» (معاريف، 25 شباط 2017).
وأكثر من ذلك؛ أشارت الصحيفة إلى أن جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي (الشاباك) المسؤول عن جمع المعلومات الاستخبارية من سيناء عبر تجنيد مصادر بشرية، يقوم بتزويد الأمن المصري بالمعلومات المتعلقة بالتنظيم.
وإلى جانب ذلك، فإن إسرائيل أذنت لنظام السيسي بتجاوز بنود الملحق الأمني في اتفاقية «كامب ديفد»، وسمحت للجيش المصري بجلب دبابات واستخدام الطائرات النفاثة في شمال سيناء لتحسين قدرته على مواجهة التنظيم.
أهداف الاستنفار الإسرائيلي
ينبثق التحرك العسكري والاستخباري الإسرائيلي في سيناء من منظومة اعتبارات استراتيجية تتعلق بالأساس بمكانة نظام السيسي في البيئة الإقليمية للكيان الصهيوني، إلى جانب إدراك تل أبيب أن شبه جزيرة سيناء تمثل ساحة مواجهة متقدمة للدفاع عن المستوطنات والمرافق الاستراتيجية والأمنية الإسرائيلية في صحراء النقب.
ومن هنا، لم يكن من المستهجن أن يصف الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية الجنرال عاموس جلعاد -الذي كان مسؤول ملف العلاقات مع مصر- الانقلاب الذي قاده السيسي بأنه «أهم معجزة حدثت لإسرائيل» (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، 12 آذار 2014).
ولذلك فإن لإسرائيل مصلحة كبيرة في تحسين قدرة نظام السيسي على التعاطي مع التحديات الأمنية التي يواجهها هذا النظام، وتحديداً تلك التي يمثلها تنظيم «ولاية سيناء».
في الوقت ذاته، فإن إسرائيل ترى في حرب السيسي ضد «ولاية سيناء» حربها، حيث تخشى أن يفضي استقرار التنظيم إلى تهديد عمقها الاستراتيجي. فصحراء سيناء تتاخم صحراء النقب التي تضم العديد من المستوطنات، وبشكل خاص تضم مرافق أمنية واستراتيجية حساسة، من بينها مفاعل «ديمونا» النووي وعدد كبير من المطارات والقواعد الحربية.
ومن نافلة القول إنه مقابل دورها في الحرب على «ولاية سيناء» فإن نظام السيسي يساعد إسرائيل في تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، عبر سد منافذ تهريب السلاح والوسائل القتالية بإغلاق الأنفاق وتشديد الحصار البري والبحري.
لا يوجد حتى الآن ما يدل على أن دائرة صنع القرار بإسرائيل ستأمر بوقف الغارات الجوية ضد «ولاية سيناء»، على اعتبار أن التسليم بفشل نظام السيسي في مواجهته يعني التمهيد لنقل المواجهة إلى داخل الكيان الصهيوني وتحديداً داخل صحراء النقب.
لكن على كل الأحوال، أرغمت المخاوفُ من ردة فعل «ولاية سيناء» على الغارات التي تنفذها الطائرات بدون طيار، إسرائيلَ على الإضرار بنظام السيسي سياسياً واقتصادياً، دون أن تقصد ذلك. فقد جاء قرار نتن ياهو بإغلاق معبر «طابا» -بحجة أن «ولاية سيناء» يخطط لتنفيذ عمليات داخل سيناء ضد سياح إسرائيليين- بعد يوم فقط من إعلان السيسي أن التنظيم قد اندحر في سيناء، مما دفعه لتنفيذ عمليات في العمق المصري، كانت أخراها حادثة تفجير الكنيستين في طنطا والإسكندرية.
ومثّل القرار الإسرائيلي نسفاً لمصداقية خطاب السيسي، كما شكّل تحذيراً غير مباشر للسياح من التوجه إلى المرافق السياحية المصرية في سيناء.
ورغم أن القيادة الإسرائيلية غير مستعدة حتى الآن للتوقف عن مساعدة السيسي في مواجهته «ولاية سيناء»؛ فإن موقفها سيخضع في النهاية لميزان الربح والخسارة. وفي حال تبيّن أن الفاتورة التي تدفعها تل أبيب لمساعدة السيسي كبيرة؛ فإن هذا سيفضي حتماً إلى إجبار الحكومة الإسرائيلية على مراجعة موقفها واستخلاص العبر.}