حسين عبد العزيز

هل معركة إدلب معركة تكتيكية يراد منها تحقيق إنجاز سياسي؟ أم إنها تحمل في طياتها أبعاداً أكثر من ذلك تعيد إلى الأذهان ما حدث في حلب بالأمس القريب؟ وهل ستكون هذه المعركة فاصلاً زمنياً بين مرحلتين بحيث تترتب عليها توازنات عسكرية وسياسية جديدة؟ أم أن ما يجري لن يؤثر على اتفاق مناطق خفض التوتر؟
لمعركة إدلب خصوصية تختلف عن بقية المحافظات بسبب الحضور التركي المباشر فيها، وبسبب التشابك الحاصل على الأرض بين قوى تُصنّف «إرهابية»، وفصائل إسلامية معتدلة، وفصائل معارضة وطنية.
اختبارات أستانا
بدا واضحاً منذ اجتماع «أستانا 7» أن روسيا اكتفت بتحديد حدود مناطق خفض التوتر ووقف إطلاق النار وإن لم يكن بشكل كلي، وتقاعست بوضوح في تثبيت التوافقات حول آليات المراقبة، في حين رفضت تبادل الخرائط مع تركيا وفصائل المعارضة.
فإما أن روسيا وضعت فخاً للأتراك والمعارضة، أو أنها خضعت لضغوط دمشق وطهران بأن اتفاق مناطق خفض التوتر الحالي غير مقبول، لأنه يضرب بانتصارات النظام العسكرية عرض الحائط بسبب مساواته بين الطرفين، ويسمح للمعارضة بالسيطرة على مساحات تعتبر من وجهة نظر دمشق وطهران خطيرة (ريف حماة الشمالي، ريف حلب الجنوبي، ريف حلب الغربي، إدلب).
تحالفات مهددة
إذا كانت الأزمة السورية سبباً رئيسياً في التقارب بين روسيا وتركيا، فإنها يمكن أن تكون سبباً في تباعدهما، وقد كشفت الفترة الأخيرة وجود خلافات قوية، سواء على مستوى أستانا، أو في جنيف، أو بشأن سوتشي.
ويبدو أن تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده ستعقد اجتماعاً لوزراء خارجية الدول التي تتشاطر معها المواقف من الأزمة السورية، يحمل دلالات سياسية تفيد بأن أنقرة مضطرة إلى توسيع خياراتها وعدم حصرها في الروس.
ومع ذلك، لا يُتوقع أن تتطور الأمور إلى حد سقوط اتفاق مناطق خفض التوتر ونهاية التفاهمات الروسية التركية، لأن ذلك سيقضي على جهود موسكو في اجتراح مسار سياسي جديد، وسيضع تركيا في نفق مظلم مع انعدام أية خطة عسكرية واقعية لها وللمعارضة.
بالنسبة إلى موسكو، فهي ليست في وارد الانقلاب على التفاهمات مع أنقرة مع انعدام وجود شريك قوي وفاعل في الجانب الآخر تستطيع معه ترتيب المشهد السوري في الحدود الممكنة. وكذلك الأمر أيضاً بالنسبة إلى أنقرة، فهي لا تستطيع الحفاظ على مكتسباتها أو تحصيل مكاسب أخرى إلا عبر البوابة الروسية بعدما أوصدت البوابة الأميركية.
صحيح أن القدرة الروسية وصلت إلى نهايتها تقريباً، وأن حل الملف الكردي مرتبط بالولايات المتحدة وليس بروسيا، إلا أن الأتراك لا يستطيعون المخاطرة بالانتقال إلى الغرب مع غياب أية ضمانات أميركية تلبي حاجات أنقرة، خصوصاً إذا تعلق الأمر بقضايا عسكرية.
ولذلك ستتعامل تركيا مع معركة إدلب وفق الإمكانيات المتاحة، وبالنسبة إليها يعني وصول النظام إلى الطريق الدولي حلب/دمشق تغييراً في معادلات الصراع داخل المحافظة.. كذلك فإنها لا تريد خسارة القوى العسكرية الموجودة في المحافظة، في وقت تسعى شيئاً فشيئاً إلى سحب البساط من تحت أقدام «جبهة النصرة» (سابقاً- هيئة تحرير الشام حالياً)، وإطلاق معركة كبيرة ضد إدلب ستضع الفصائل في جبهة موحدة مع «هيئة تحرير الشام»، وهذا ما حصل.
خيارات محدودة
أما بشأن مآلات هذه المعركة على مؤتمر سوتشي؛ فبطبيعة الحال ستؤثر سلباً معاركُ إدلب والتوترات بين أنقرة وموسكو على «مؤتمر الحوار الوطني» المزمع عقده في سوتشي بروسيا، ولذا فأغلب الظن هو تأجيل المؤتمر إلى حين نضج شروط نجاحه، وأحد شروط نجاحه مرتبط بالأتراك.
ليس المقصود بالتأثير السلبي لمعركة إدلب على سوتشي أن الانتصارات العسكرية التي يحققها النظام ستدفع المعارضة وتركيا للابتعاد عن سوتشي، فهذا أمر غير ممكن لأن الأتراك غير قادرين على الذهاب في مواجهة مفتوحة وحادة مع روسيا. وإنما المقصود هو أن عملية إدلب العسكرية أخلّت بالتوازنات القائمة بين موسكو وأنقرة، ولن يتم تجاوز هذا الإخلال إلا بوقف العمليات العسكرية أو حصول صفقة مشابهة لصفقة حلب.
وحتى لو استمر النظام في إحراز تقدم، فلن تستطيع أنقرة تجاهل سوتشي، لأن ذلك سيُعتبر طعنة لروسيا التي تعوّل كثيراً عليه، وتحذيرات لافروف شديدة الوضوح: «من دون عقد مؤتمر سوتشي وأخذ نتائج جولات أستانا في الاعتبار، فلن يحصل أي تقدم مهم في محادثات جنيف».
في أسوأ الأحوال، قد تقوم أنقرة بتخفيف مستوى ضغطها على المعارضة، والخروج بموقف باهت بشأن سوتشي، وهذا ما بدأت موسكو تدركه، ولعل التحركات الروسية الأخيرة تجاه طهران ودمشق توحي بأن الروس بحاجة إلى تأمين اختراق سياسي من بوابة دمشق قبيل عقد المؤتمر، إن لم تقم تركيا بما يلزم تجاهه.
وقد يكون سماح الروس للنظام بالمضي قُدُما في شرقي إدلب مرتبطاً بالحصول على تنازل سياسي سيُعلن من سوتشي، لكن التحضير للمؤتمر كشف محدودية القدرة الروسية وفعالية الأطراف الإقليمية حين يتعلق الأمر بقضايا السياسة.}