حسين عبد العزيز

ثمة أسئلة كثيرة تطرح عن أسباب فتح معركة حماة في هذا التوقيت، في ظل حاجة المعارضة لتحقيق إنجاز عسكري في حلب، وعدم الانشغال في معارك أخرى قد تستنزفها. 
وتتضاعف الأسئلة عندما يكون «جند الأقصى» هو رأس الحربة في معارك حماة، وهو الفصيل الذي لا يحظى بثقة فصائل المعارضة ولا سيما «جبهة فتح الشام» و«أحرار الشام». 
كما تطرح أسئلة عن الانتصارات السريعة التي حققها «الجيش السوري الحر» و«جند الأقصى» في المحافظة، والتقهقر السريع لقوات النظام التي بدأت بإعادة ترتيب صفوفها. 
خصوصية الموقع 
تعتبر حماة أكثر المحافظات السورية التي تربطها حدود مع المحافظات الأخرى، فهي تلاصق حلب من الشمال، وإدلب من الشمال الغربي، واللاذقية من الغرب، وطرطوس من الجنوب الغربي، وحمص من الجنوب والشرق، والرقة من الشمال الشرقي.
موقعها جعلها ذات أهمية جيواستراتيجية، وجعلها ذات مرتبة ثانية في معادلة المعارك العسكرية بسبب انفتاحها على هذا العدد الكبير من المحافظات، وهو السبب الذي جعل أطراف الصراع خلال السنوات الماضية تحجم عن محاولة السيطرة على المحافظة عسكرياً، والاكتفاء بالحصول على موطئ قدم تبعاً لحاجتها العسكرية.
تكمن أهمية حماة في أنها المفصل الأخير في المعركة حول «المناطق المفيدة»، ولما كان طرفا الصراع (المعارضة، النظام) غير قادرين على حسم المعركة، ظلت المحافظة خارج عمليات الحسم.
هذا ما أدركه «جيش الفتح» عقب فشل «غزوة حماة» التي أعلنها نهاية تشرين الأول من العام الماضي، وما نجم عنها من اتفاق بين الفصائل على إلغاء فكرة السيطرة على المحافظة، والاكتفاء بالسيطرة على مواقع معينة مثل مدينة مورك التي تشكل أهمية كبيرة للمعارضة لأنها المعبر الرئيس بين حماة وحلب ومن ثم إدلب.
الأمر نفسه بالنسبة إلى النظام الذي اكتفى بموطئ في غرب المحافظة وجنوبها الغربي عند الحدود مع حمص لحماية معقله الممتد نحو اللاذقية مروراً بطرطوس، وموطئ قدم في الشمال الشرقي للمحافظة، فضلاً عن مدينة حماة التي تعتبر بوابة الساحل.
ومع كل ذلك، لا يتحمل طرفا الصراع خسارة مواقعهم في المحافظة، فمن شأن ذلك أن يزيل خطوط التماس الأمامية لمعاقلهم: بالنسبة إلى النظام لا يتحمل خسارة مناطق جديدة قد تؤدي إلى قطع خطوط إمداده التي تصل بين مختلف المحافظات التي يسيطر عليها، ولا سيما اللاذقية وحلب، وبالنسبة إلى المعارضة لا تتحمل خسائر مواقع جديدة تهدد سيطرتها على طريق حماة ـ حلب الدولي، ومن ثم تصبح إدلب المعقل الرئيس للمعارضة مهددة. وعليه ظلت حماة ساحة صراع هادئة، فلم تتطور الأمور فيها إلى مستوى المعارك الشرسة كما هو الحال في حلب، في الوقت الذي لم تخرج فيه من دائرة الصراع.
في 29 آب الماضي انتهت حالة الستاتيكو العسكري مع الهجوم الذي شنته فصائل من «الجيش السوري الحر» (النصر، العزة، بيان) وجند الأقصى على مناطق مختلفة من ريف حماة الشمالي ضمن جبهة موحدة امتدت على طول 20 كلم.
وسرعان ما نجحت هذه الفصائل في السيطرة على حواجز وقرى وبلدات عديدة في زمن قياسي (المصاصنة، معركبة، البويضة، حاجزي زلين والزلاقيات، مدينة حلفايا، قرية الناصرية وتلتها الاستراتيجية، مدينة صوران، تل بزام، قرية معردس قبل أن تستعيدها قوات النظام).
هذا النصر والتقهقر السريع لقوات النظام طرح تساؤلات عدة، هل ما جرى كان نتيجة التخطيط العسكري لهذه الفصائل؟ أم هو استدراج من قبل النظام لها لتشتيت قوتها أولاً، ولإيجاد ذريعة لضرب المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة بهدف تهجير أهلها تمهيداً لاستكمال مخطط التهجير الديمغرافي ثانياً؟
لكن إعادة قراءة للعملية العسكرية نهاية الشهر الماضي، تبيّن أن هذا النصر جاء نتيجة تخطيط جيد لهذه الفصائل، وعلى جبهة واسعة وفي وقت واحد، وهو أمر شكل مفاجأة لقوات النظام التي حققت فشلاً ذريعاً أمام الجبهات الواسعة والمكثفة كما بينت التجارب. ذلك أن مسألة التغيير الديمغرافي ليست واردة في حماة، ولا ينطبق عليها ما حصل في أماكن أخرى مثل حمص، الزبداني، داريا، المعضمية، من ناحية الضرورة الجغرافية أو من ناحية البعد الديمغرافي. 
وعلى الرغم من إعلان عدة فصائل وهيئات مدنية تأسيس جسم عسكري بمسمى «جيش حماة»، فإن فتح جبهة واسعة تمتد من شمالي محافظة حماة إلى وسطها على حدود عاصمة المحافظة، ومن شمالها الغربي إلى شمالها الشرقي، تتطلب عديداً بشرياً كبيراً يفوق قدرة الفصائل المشاركة في العملية العسكرية، ويفاقم الحاجات العسكرية من سلاح ودعم لوجستي دائم.
أغلب الظن أن هذه العملية تمت بقرار من «جند الأقصى» وما مشاركة باقي الفصائل إلا للحيلولة دون ترك الانتصار يعود إليهم وحدهم من جهة، وخشية من استفراد النظام بـ«جند الأقصى» وبالتالي خسارة فصيل يضع نصب عينيه مقاتلة النظام وحلفائه من جهة ثانية.
تشكل معركة حماة فرصة مهمة لـ «جند الأقصى» لإعادة تعريف ذاته وتحديد ماهيته، فلا هو عدو لتنظيم الدولة، حيث رفض القتال ضده، ولا هو منخرط في مهام «جيش الفتح»، حيث رفض المشاركة في معركة حلب.
إنه يريد أن يضع نفسه في مكان وسط على أن تقبل فصائل المعارضة العسكرية له بهذا الموضع.
سيناريوهات غامضة 
نجاح «جند الأقصى» وفصائل «الجيش الحر» في كسر الطوق العسكري الذي أنشأه النظام، ونجاحهم في الاقتراب من جبل زين العابدين ومطار حماة العسكري ومحاصرة بلدتي معان وقمحانة، أوجد واقعاً عسكرياً جديداً في المحافظة لصالح المعارضة على حساب النظام.
وفي حال نجاح الهدنة وتثبيت وقف إطلاق النار، ستكون فصائل المعارضة قد عوضت ما خسرته في حلب، وتمكنت من تثبيت جغرافيا جديدة في ريف حماة الشمالي الذي لن يكون عمقاً استراتيجياً لها في إدلب وريف حلب الجنوبي فحسب، بل قاعدة انطلاق لتوجيه ضربات في قلب حماة بعدما أصبحت على مقربة من عاصمة المحافظة بعد السيطرة على مثلث (صوران، طيبة الإمام، حلفايا).
فضلاً عن ذلك، فإن هذه المنطقة الواسعة مع محافظة إدلب التي تشكل معقل فصائل المعارضة، ستمنح المعارضة مع مدينة جرابلس ومحيطها في الريف الشمالي الشرقي لحلب نقطتي ارتكاز ومنطلقاً للهجوم على حلب من زاويتين مختلفتين إذا فشلت الهدنة.
لكن المشكلة أن «جند الأقصى» غير مندرج في اتفاق الهدنة فهو على لائحة المنظمات الإرهابية، وأغلب الظن أن النظام وروسيا سيواصلان قصفه تحت عنوان مكافحة الإرهاب، وهي بطبيعة الحال سترد على هذه الضربات ومعها فصائل أخرى مثل «أحرار الشام» التي رفضت الهدنة.
ويخشى أن يذهب النظام إلى أبعد من ذلك، ويلاحق «جند الأقصى» إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة أثناء تراجعها إلى عمق الريف الشمالي لحماة، وربما إلى أقصاه حيث مدينة مورك التي تشكل موقعاً استراتيجياً يتطلع النظام منذ عام إلى استرجاعها.
وبناء عليه، يصعب تصور سيناريوهات المعركة في حماة، فمصيرها سيكون مرتبطاً بمصير حلب، فإذا ما صمدت الهدنة في حلب، فسينقلب الواقع العسكري لصالح النظام الذي سيعزز جبهة حماة، وإن فشلت الهدنة في حلب، فإن مصير حماة سيظل مفتوحاً على احتمالات كثيرة أهمها إبقاء الوضع القائم على ما هو، وهذا نصر للمعارضة.