العدد 1443 /30-12-2020

لساعات استمرت المناورة العسكرية المشتركة للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، أمس الثلاثاء، وحملت اسم "الركن الشديد"، وهي الأولى من نوعها فلسطينياً، وتحمل رسائل سياسية وعسكرية للاحتلال الإسرائيلي، الذي يواصل حصاره وتهديده لغزة، إضافة إلى رسائل بالتمسك بالسلاح، ورفض كل الإغراءات في ظل موجة التطبيع مع الاحتلال.

تخلل المناورة، التي شارك فيها 12 جناحاً عسكرياً فلسطينياً، أبرزها "كتائب القسام" الذراع العسكرية لـ"حماس"، و"سرايا القدس" الذراع العسكرية لـ"الجهاد الإسلامي"، والذراعان العسكريان للجبهتين الشعبية والديمقراطية، وأطر عسكرية محسوبة على حركة "فتح"، وآخرون، إطلاق صواريخ تجاه البحر في رشقات تجريبية.

وتزامن إطلاق الصواريخ مع تنفيذ تدريبات تحاكي تصدي وحدات الفصائل الفلسطينية لعمليات تسلل بري تجريها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى تدريبات نفذتها عناصر الضفادع البشرية بالذخيرة الحية، حاكت خلالها التصدي لقوات البحرية الإسرائيلية. وترافقت مناورة "الركن الشديد" مع انتشار واضح لعناصر من عدة وحدات قتالية في مختلف المناطق في غزة، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة، والتي لم تغب هي الأخرى عن المناورة الكبرى، إذ كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى لإعلان انطلاقها.

وأعلن متحدث عسكري باسم الغرفة المشتركة، في مؤتمر صحافي قبيل انطلاق المناورة، أنّها دفاعية، مؤكدا على جهوزية المقاومة للدفاع عن الشعب الفلسطيني في كل الأحوال وتحت كافة الظروف. وشدّد على أنّ قيادة المقاومة "جاهزة لخوض أية معركة للدفاع عن شعبنا وأرضنا، ولن نقبل بأن يتغول العدو على أهلنا". وقال المتحدث العسكري، الذي غطى رأسه بالكوفية الفلسطينية، إنّ "سلاحنا حاضر، وقرارنا موحد في خوض أية مواجهة تُفرض على شعبنا في أي زمان ومكان". ووجه حديثه إلى قيادة الاحتلال الإسرائيلي بأنّ عليها أنّ تدرك بأن مجرد التفكير في مغامرة ضد الشعب الفلسطيني ستواجه بكل قوة ووحدة، وستحمل الكثير من المفاجآت.

أما الأجهزة الأمنية الحكومية في غزة التابعة لحركة "حماس" فانتشر عناصرها في مختلف المناطق في القطاع، وأخلت جانباً من مقارها، فيما أغلق الشريط الساحلي أمام عمل الصيادين حتى انتهاء المناورة، ومنع الناس من الوصول إليه. جماهيرياً، تابع سكان القطاع باهتمام شديد هذه المناورة، التي تعتبر حدثاً غير مسبوق بالنسبة لهم من ناحية العمل الفصائلي المشترك. ووثق بعضهم جانباً منها عبر نشر صور وفيديوهات عبر صفحاتهم وحساباتهم المختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وتزامن تنفيذ المناورة مع زخم إعلامي غير مسبوق من قبل وسائل الإعلام، خصوصاً التابعة للفصائل، والتأكيد على أهميتها، وأنها تحمل رسائل ذات دلالات سياسية للاحتلال والمحيط، في ظل موجة التطبيع الحاصلة واستمرار حصار غزة. وفي السياق، قال الباحث الفلسطيني في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة، لـ"العربي الجديد"، إن المقاومة تستعرض قوتها العسكرية وقدراتها التي تمتلكها، تزامناً مع تهديد وتوعد إسرائيلي، أعقب سلسلة من المناورات التي أجراها الاحتلال خلال الآونة الأخيرة. وأضاف أن هذه المناورة تعطي زخماً للمقاومة وتوحد الجهود الميدانية، بالإضافة إلى أنها ترفع الروح المعنوية من خلال العمل الميداني المشترك، الذي يتزامن مع مواصلة حصار غزة، ومحاولة تركيعها لإجبارها على التخلي عن سلاحها.

وبحسب الباحث في الشأن العسكري، فإن مناورة المقاومة ركزت على البعد الدفاعي ولم تستخدم أيا من السيناريوهات الهجومية، عبر سلسلة العمليات التي حاكتها، من خلال صد التسلل البري والبحري وإطلاق الصواريخ تجاه البحر. وبرأيه تشير المناورة إلى تطور واضح في عمل الغرفة المشتركة التي تأسست قبل قرابة عامين، ومحاولة لمأسسة العمل فيها، عبر التدريب المشترك بين عناصر الأذرع العسكرية المختلفة، وزيادة العمل المشترك، عسكرياً واستخباراتياً، بما يخدم المقاومة. ولا ينكر أبو زبيدة وجود قلق إسرائيلي واضح من مشاركة 12 فصيلاً عسكرياً، على رأسها "سرايا القدس" الذراع العسكرية لـ"الجهاد"، و"كتائب القسام" الذراع العسكرية لـ"حماس"، في مناورة مشتركة. واعتبر أن هذه المناورة ستقلب الرواية التي يحاول رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تصديرها لجبهته الداخلية، والتي كان يحاول فيها تثبيت معادلة التفرد بكل فصيل فلسطيني من دون حضور للفصيل الآخر.

من جهته، أشار الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المناورة تحمل رسائل موجهة للداخل والخارج. وأوضح أنّ الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة تهدف لتأكيد وحدة الصف، وتعزيز العلاقة الفصائلية المشتركة في اتخاذ قرارات التصعيد والتهدئة، بحيث يكون القرار في الميدان موحداً بعيداً عن التفرد. والمناورة تبعث برسائل واضحة للاحتلال، وفق الصواف، الذي اعتبر أنّ المقاومة قالت فيها إنها لم تعد كما كانت في السابق، وإنها تمتلك من القدرات العسكرية ما يمكنها من ردعه وصد أي عدوان إسرائيلي محتمل، بالإضافة إلى رسائل ميدانية ذات دلالات عسكرية. وهذه المناورة تحمل رسائل للمحيط العربي، خصوصاً في ظل موجة التطبيع الحاصلة مع إسرائيل، وهي تحاول، عبر المشاركة الفصائلية الواسعة فيها، تأكيد تمسك المقاومة بسلاحها ورفض كل التهديدات والإغراءات، بحسب الصواف. وعن التحديات التي تواجه غرفة العمليات المشتركة، لفت إلى أن هذه المناورة ستساهم في زيادة التنسيق والتعاون المشترك، وستؤدي إلى مأسسة حقيقية للغرفة المشتركة على صعيد اتخاذ القرار وطبيعة الرد، وكثافة الرد على أي عدوان أو تصعيد إسرائيلي مستقبلاً.

ويُعتبر القرار المشترك عسكرياً أحد أبرز التحديات التي كانت تشكل موضع خلاف فصائلي خلال السنوات الماضية، خصوصاً في ملف المصالحة الفلسطينية، حيث كان يطرح أن يكون قرار التهدئة والحرب تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

يوسف أبو وطفة