العدد 1359 / 24-4-2019

ميشيل كيلو

لا يبدو الجواب على هذا السؤال واضحا بعد، أو هو محل شك، أقله بالنسبة إلى النظام الأسدي، وبعض من يطوّبونه مقاوما وممانعا، ويوهمون أنفسهم أو يصدقون أنه يتعرّض لمؤامرة دولية عقابا له على مواقفه القومية، واستماتته من أجل تحرير فلسطين قبل الجولان، كما كان حافظ الأسد يحرص على القول، ومات وتسليم الجولان لإسرائيل بلا قتال جريمة وطنية من حق شعب سورية تدفيعه ثمنها، هو وابنه ونظامهما. يقول النظام إن الإرهاب هو الذي دمر سورية وقتل شعبها. والإرهاب في عرف الأسدية هو كل ما قاله وفعله شعبها من أجل نيل حريته، بدءا بمطالباته السلمية بها التي استمرت طوال أشهر ثورته الستة الأولى، باعتراف بشار الأسد نفسه الذي ما لبث أن أدرجها في سياق إرهابي ينخرط شعب سورية فيه كلما خرج عن طاعة الأسدية أو ذكّرها بوعد الحرية الذي قطعه حزب البعث على نفسه قبل سبعين عاما، وتعهد بتحقيقه بمجرد أن يستولي على السلطة، ثم، وبعد سبعين عاما من الانتظار والقمع والقتل، طالبه الشعب سلميا بتحقيق وعده، فانقضّ عليه من البر والبحر والجو، على الرغم من أنه طالب بما يستحيل أن يطالب به إرهابي، أو يعتبره من متاع الإيمان: الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.

هل كان لدى السوريين ما يدّعي إعلامه أنهم يهيمون حبا به، من الطائرات والدبابات والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والقنابل الفوسفورية والحارقة ما يكفي لقتل مليون مواطنة ومواطن، لا يشارك 95% منهم في القتال، ولتدمير بيوتهم على رؤوس أطفالهم ونسائهم وشيوخهم؟ وهل حدث في أي عمل إرهابي أن استطاعت بندقية كلاشينكوف إسقاط بناء من عشرة طوابق على ساكنيه؟ ومتى درّب الإرهابيون طيارين على طائراتٍ لا يملكونها، ومن أين جلبوا المال الضروري لشراء خمسة آلاف دبابة ومدفع من جيش النظام، باعها لهم كي يقتلوا جنوده وضباطه بقذائفها؟ وهل كان الإرهابيون على هذا القدر من القوة والانتشار، من دون أن يعرف ملايين الحزبيين والمخبرين والموالين للسلطة أي شيء عنهم، قبل انطلاق موجات القتل التي طاولت كل بيت وقرية وبلدة ومدينة؟

وإذا كان هؤلاء بهذه المواصفات، بأي جبابرة وأي قدر من السلاح، تمكن نظام الأسدية الغافل عنهم لأسباب أملتها طيبة قلبه وسلمية علاقاته بالمواطنين من كسر شوكتهم؟ ومن أين حصلوا على مئات طائرات الهيلوكوبتر وعشرات آلاف البراميل المتفجرة التي ألقوها على بيوتهم وأهليهم، وكيف تمكّنوا من استخدامها ثم إعادتها إلى قواعدها العسكرية التي يحرسها جيش الأسدية العقائدي؟ وهل اشتروها مع مطاراتها أم استأجروها منه بالساعة، كما تؤجّر جمارك النظام طرق البلاد بالساعة للراغبين في تهريب أي قدر من المخدرات إلى سورية... المحروسة؟ وإذا كان في سورية مئات آلاف الإرهابيين والنظام منفرد بالسيطرة عليها، كيف يؤتمن من جديد عليها، ولماذا كان يقمع كل من عارضه باسم أمن الشعب، ولم يقمع الإرهاب، إذا كان مستشريا بالصورة التي ظهر عليها بعد الثورة؟

لا تدين مزاعم السلطة الأسدية عن تدمير سورية أحدا غيرها، لأن العالم كله رأى طائراتها ومدافعها وهي تقصف القرى والمدن الآمنة، وتتعمد تدمير بنية سورية التحتية، لترغم موارد عيش شعبها والقسم الأكبر منه على مغادرتها، بعد أن صنفته إرهابيا، وأعلنت تصميمها على التخلص منه، بمساندة إرهابيين استقدمتهم من أكثر مجتمعات العالم تخلفا وعنفا، لمساندتها في حربها عليه.