العدد 1696 /31-12-2025

معن البياري

أمّا وأنّ رئيس ما تعرّف نفسها جمهورية أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عرّو، عَدَّ شخصَه "أسعد إنسانٍ في العالم"، بعد أول اعترافٍ بجمهوريّته، وقد بادرَت إليه إسرائيل، فالراجح أن حكمت الهجري يشتهي أن يكون ثاني أسعد إنسانٍ، عندما تعترف إسرائيل بكانتونٍ دُرزيٍّ يعمل على إقامته في محافظة السويداء في جنوب سورية، يتمتّع أولاً بحكمٍ ذاتي، قبل أن يصير نواة "دولة درزية" تمتدّ إلى العراق، هيّأ خرائطها، على ذمّة أربعة مراسلين لـ"واشنطن بوست"، في تقريرٍ لهم مثير، نشروه الأسبوع الماضي، يُخبر عن دفع دولة الاحتلال ما بين مائة ومائتي دولار لكل واحدٍ من ثلاثة آلاف محاربٍ سوري درزي في مليشيا "مجلس عسكري" هناك، تسلّحها إسرائيل، منذ الأسبوع الثالث بعد إسقاط بشّار الأسد وفراره، بشحنات ذخائر وبنادق ودروعٍ واقية (وغيرها). ومع الفارق المهول بين مساحتي المحافظة السورية (نحو 370 ألف نسمة، 6550 كيلو متر مربع) والإقليم الصومالي، أو الصومالي البريطاني في تسميةٍ أخرى سوّغَه احتلال بريطانيا له سابقاً فيما احتلّت إيطاليا الجنوب (نحو ستة ملايين نسمة، أكثر من 176 ألف كيلو متر مربع)، ومع الموقع الاستراتيجي الشديد الحساسية للإقليم وحيازته ميناءً مهمّاً، فيما تكاد تنعدم موارد السويداء التي يعتمد ناسُها على الزراعة والوظائف الحكومية غالباً، ثمة ما يصل بينهما، ويجعلهما في موضعٍ واحدٍ، هو الجهد الإسرائيلي الدؤوب عليهما، أو على الأصح على شطرٍ واسعٍ من فاعلين ونافذين فيهما، في محاولةٍ لتكون السويداء دبّوساً موجعاً في البدن السوري، ولتكون "جمهورية أرض الصومال" ساحةً مُضافةً إلى اللعب الإسرائيلي المكشوف، استخبارياً وعسكرياً وأمنياً، على شواطئ البحر الأحمر، وعند الخاصرة اليمنية، فتصير تهديداً ظاهراً لمصر والسعودية وغيرهما.

سيكون افتعالاً لو أخذتْنا قراءة واقعة الاعتراف الإسرائيلي بجمهورية أرض الصومال، يوم الجمعة الماضي، "دولةً مستقلّةً وذات سيادة" إلى تزامنها مع الجاري في جنوب اليمن، حيث ينشط ميدانيّاً وعسكريّاً انفصاليو المجلس الانتقالي من أجل انتزاع الجنوب كياناً مستقلّاً لا صلة له بجمهوريةٍ في الشمال. وسيكون افتعالاً مُماثلاً لو رَبط بعضُهم الأمريْن بتوقيت نشر الصحيفة الأميركية ما نشرتْه. فإسرائيل لا تُبرمج مواقيتها بحِسبةٍ يتوهّم معلّقون شطارتهم وهم يصنعون مثل هذه الصلات، ففي وُسع استخباراتِها التي تتمكّن من قتل إسماعيل هنيّة في غرفة نومه في مضافةٍ للرئاسة الإيرانية في طهران أن تعطي إسعاد عبد الرحمن محمد عرّو ما يلزمه من وقت، والمذكور شديدُ التلهّف إلى علاقةٍ وطيدةٍ مع إسرائيل، لا تزوّده فقط بالاعتراف الذي يشتهيه، وإنما أيضاً تجعلُه رقماً في منصّات الإعلام، كما مظلوم عبدي وحكمت الهجري وعيدروس الزبيدي وحميدتي وخليفة حفتر، ممن لا تكذب التقارير الصحافية عن صلاتٍ لهم، بعضُها عسكري واستخباري ولوجستي، بإسرائيل التي ترى البلاد العربية ساحاتٍ لا أوطاناً موحّدة وذات سيادة.

ليس تهجير غزّيين إلى الجمهورية الصومالية المُختلقة الباعثَ الذي جعل نتنياهو (والموساد) ينشط باتجاهها، ويعِدُها بدعمٍ في الزراعة وغيرها، وليس قَلقاً على السوريين الدروز يجعله لا يستطيع النوم، فيبادر إلى ذلك التسليح وتلك الاتصالات المكثّفة مع الهجري والدولارات الزهيدة. إنما هو العمل الاستراتيجي الذي يضع نفوذ إسرائيل، في الإقليم وفي العالم (أذربيجان وإثيوبيا... إلخ)، بمختلف أدوات القوة لديها، في منزلة أولى الأولويات، سيّما أن أوضاع العرب على ما نعرف، ولا تجعل أياً من دولهم التي تقيم علاقات تطبيع مع إسرائيل تجمّد هذه العلاقات أو توقفها أو تعلّق اتفاقياتٍ بموجبها، في أثناء الإبادة في غزّة. ما يجعل أجهزة الدولة العبرية، في غير شأن، تعمل بيُسر على تطويق العالم العربي، وتحاصره باتفاقياتٍ ترهن شؤون غير بلدٍ بتطبيعٍ معها، على ما شهدنا في ذهاب المغرب إلى تلك العلاقة الآثمة، بغرض اعترافٍ أميركيٍّ بسيادته على أقاليمه الصحراوية.

مع كل التقدير لموجة الغضب العربي من الوثبة الإسرائيلية في شمال الصومال، في بياناتٍ معلنة، ليس متوقّعاً أن يُرى أي عملٍ عربيٍّ فاعلٍ وجدّيٍّ وحاسمٍ يوقف الاستباحات الإسرائيلية النشطة من السويداء مروراً بجنوب اليمن وتلك المليشيا في السودان وصولاً إلى غبطة عبد الرحمن عرو وهو يُشهر نفسه أسعد شخصٍ في العالم.