فايز الدويري

سقطت مدينة الرقة بتاريخ الثالث من نيسان بيد المعارضة السورية بعد معارك شارك فيها «أحرار الشام» بشكل رئيسي، وبمساعدة رمزية من جبهة «النصرة» التي سارعت إلى احتلال مبنى المحافظة واتخاذه مقراً رسمياً لها منذ اليوم الثاني للتحرير.
وأدى انشغال فصائل المعارضة باستكمال معارك التحرير في بقية أجزاء المحافظة إلى حدوث فراغ كبير في أجهزة الدولة ومؤسساتها الخدمية، فعمد الناشطون إلى ملء الفراغ، وتركت جبهة النصرة ساحات القتال -إلَّا نادراً- لتتفرغ للسيطرة على المدينة، وتمكنت من ذلك جزئياً من خلال تقديم الخدمات العامة وتبديل أئمة الجوامع والتقرب من المواطنين.
اللحظة الحاسمة
أعلن أبو بكر البغدادي بتاريخ 9/4/2013 توحيد تنظيمي «الدولة الإسلامية في العراق» وجبهة «النصرة» في تنظيم واحد يحمل اسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وبدأ بعد الإعلان تغلغل عناصر «داعش» الجدد داخل مدينة الرقة مقابل بدء جبهة «النصرة» تخفيف عناصرها والتوجه إلى مدينة الطبقة.
وبدأ الصراع بين عناصر «داعش» والقوى المدنية التي كانت تعاني من الضعف الناتج من الإفراط في المركزية وضعف صلتها بالشارع بفعل غياب التمويل. ووسط هذا الفراغ الجديد الناشئ بدأ تنظيم الدولة بتنفيذ استراتيجيته كأي نظام ديكتاتوري عبر حملات الاعتقال وممارسة مختلف أساليب التعذيب، ما أثار الرعب في قلوب المواطنين ومكّنه من تحقيق السيطرة المطلقة على المدينة ليتوسع بعد ذلك في مناطق سورية عدّة.
بتاريخ 6/11/2016 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (وهي تحالف من فصائل كردية وعربية) انطلاق عملية «غضب الفرات» لتحرير مدينة الرقة من تنظيم الدولة، وحشدت لذلك ثلاثين ألف مقاتل، وتتألف تلك القوات من: وحدات حماية الشعب الكردي، لواء شهداء الرقة، صقور الرقة، كتيبة شهداء حمام التركمان، لواء أحرار الرقة، لواء ثوار تل أبيض، المجلس العسكري السرياني، بينما تم استبعاد لواء ثوار الرقة الرافض للسيطرة الكردية على قوات سوريا الديمقراطية، رغم كثرة الفصائل غير الكردية المشاركة في عمليات «غضب الفرات» فإنها تبقى محدودة التأثير في مجريات المعركة، وهي ليست أكثر من ديكور تكميلي لقوات سوريا الديمقراطية تزامن الإعلان عن معركة «غضب الفرات» مع انطلاق عدّة عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة ستلقي نتائجها بظلالها على معركة الرقة، ومن أهمها:
«درع الفرات»: وهي عملية عسكرية تركية سورية، أطلقتها الحكومة التركية لدعم فصائل الجيش الحر بتاريخ 24/9/2016 ولتأمين حدودها الجنوبية من خلال طرد «داعش» ومنع الأكراد من إنشاء كانتون كردي متصل، ما يمهد الطريق لإنشاء منطقة آمنة بمساحة خمسة آلاف كيلومتر مربع، وقد حققت العمليات العسكرية إنجازات كبيرة، وهي تقاتل على مشارف مدينة الباب حالياً آخر معقل لتنظيم الدولة في ريف حلب الشمالي، كما تقاتل أيضاً ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تحاول الوصول لمدينة الباب.
«قادمون يا نينوى»: أطلقت الحكومة العراقية بتاريخ 17/10/2016 معركة تحرير الموصل، ويشارك فيها الجيش العراقي وقوات مكافحة «الإرهاب» وقوات البشمركة وقوات الحشد الشعبي، وحققت القوات المشاركة نجاحات كبيرة، حيث سيطرت قوات البشمركة على برطلة وبعشيقة والبلدات المحيطة بهما، وسيطرت قوات الجيش العراقي على حمام العليل وأصبحت على مشارف مطار الموصل، بينما تعمل قوات الحشد الشعبي جاهدة للوصول إلى تلعفر، وإذا تمكنت من تحقيق ذلك فستتقدم باتجاه جبل سنجار لتصبح على تماس مع الحدود السورية. النجاح الأكبر حققته قوات مكافحة «الإرهاب» التي دخلت الجانب الأيسر لمدينة الموصل وتمكنت من السيطرة على عدة أحياء فيها. رغم هذه كل الإنجازات لا تزال معركة الموصل مفتوحة على احتمالات عدة وبعيدة عن لحظة الحسم.
«معركة حلب»: تعيش الأحياء الشرقية لحلب في حصار خانق منذ سيطرة قوات النظام السوري والمليشيات الشيعية الحليفة له وبدعم من الطيران الروسي على طريق الكاستيلو. وقد شنّ الثوار عمليتين عسكريتين رئيسيتين لفك الحصار المفروض لم تكلّلا بالنجاح، وقابل النظام ذلك بإعلان معركة استعادة السيطرة على حلب. ثم جاء الإعلان الروسي (بعد أن تكامل بناء قوة مجموعة العمليات البحرية الخامسة) عن توسيع عملياته الجوية لتشمل محافظة إدلب وريف حمص، ما يمهد الطريق أمام قوات النظام وحلفائه لتحقيق مزيد من المكتسبات على الأرض توظف لصالح النظام السوري، لكن تحقيق تلك الإنجازات يحتاج إلى أسابيع وربما أشهر من العمل العسكري. 
في معركة «غضب الفرات» حشدت قوات سوريا الديمقراطية ثلاثين ألف مقاتل مسندة بغطاء جوي محدود وبضع مئات من المستشارين العسكريين من قوات التحالف. ورغم أن تلك القوات حققت انتصارات كبيرة على تنظيم الدولة ولديها الخبرة الجيدة في قتالها، فإن عدد تلك القوات وتسليحها لا يمكنانها من حسم معارك الرقة، وذلك قياساً على معركة الموصل والتي حشد لها 120 ألف مقاتل معززين بطيران التحالف وسلاح الجو العراقي وخمسة آلاف مستشار وجندي أميركي، لعدّة أسباب منها:
- تعتبر الرقة عاصمة «دولة الخلافة» ومركز الثقل الاستراتيجي في سوريا، وستكون الملاذ الأخير له في منطقة الهلال الخصيب إذا تمكنت القوات العراقية من حسم معركة الموصل كما هو متوقع، ما يفرض عليه أن يقاتل حتى الرمق الأخير.
- ينتشر تنظيم الدولة في مناطق واسعة تحيط بمدينة الرقة، تمتد من مدينة الباب في ريف حلب الشمالي إلى مشارف مدينة عين عيسى ومدينة الحسكة وأطراف مدينة دير الزور مروراً بالقلمون الشرقي وانتهاء بريف حمص الشرقي وطريق السلمية-خناصر.
البدائل الأميركية المتاحة
مما تقدم، يتبين أن قوات سوريا الديمقراطية غير قادرة مبدئياً على حسم المعركة، ويبقى الخيار الأخير الذي يتلخص بالمزاوجة بين قوات «درع الفرات»، وقوات «غضب الفرات» على أن ينفذ كل منها مرحلة عملياتية مستقلة، تقوم قوات «غضب الفرات» بعمليات الحصار والتقرب، بينما تقوم قوات «درع الفرات» والقوات غير الكردية المشاركة في «غضب الفرات» باستعادة السيطرة على مدينتي الطبقة والرقة.
ويؤمن هذا الخيار بعض المطالب التركية، حيث يمنع قيام كانتون كردي متصل يمتد من القامشلي إلى عفرين، كما يساعد في إنشاء منطقة آمنة، ويعزز دور قوات المعارضة السورية التي ترعاها تركيا، لكنه يبقي على بعض الهواجس التركية ومن أهمها تزايد قوة ونفوذ قوات الحماية الكردية شرق الفرات وفي منطقة الجزيرة السورية، وقيام تلك القوات بعمليات تهجير عرقي كما حدث في مدينة تل أبيض وغيرها من البلدات والقرى العربية والتركمانية، ما يجعل من تلك المناطق ملجأ لحزب العمال الكردستاني، وبديلاً مناسباً لجبل قنديل في العراق.
يمكن تركيا أن تقبل بهذا البديل إذا حصلت على ضمانات أميركية موثوقة تضمن عدم قيام كانتون كردي مستقل، والتعاون لقتال حزب العمال الكردستاني، عند ذلك تبقى إدارة العمليات العسكرية غير معقدة، وتستطيع القيادة المركزية بالتعاون مع رئاسة الأركان التركية الإشراف على سير العمليات العسكرية وإيجاد الحلول المناسبة لأية مشكلات تواجهها.