العدد 1362 / 15-5-2019

لا تلوح في الأفق القريب بوادر تهدئة عسكرية في شمال غربي سورية، في ظلّ مواصلة قوات النظام لحملات القصف الجوي والمدفعي على ريفي حماة وإدلب، ومحاولة تطوير هجومها ليطاول مواقع استراتيجية في عمق محافظة إدلب معقل المعارضة السورية، التي باغتت أخيراً قوات النظام بهجوم واسع بعد أن وضعت ثقلها العسكري في معركة تبدو مصيرية وربما تقرّر مصير هذا الجزء من المنطقة السورية برمته.

وفيما تحتدم المواجهات بين النظام والفصائل، والتي تنذر بانزلاق الموقف العسكري نحو الأسوأ، يسعى الجانبان التركي والروسي إلى انقاذ اتفاق "سوتشي" المبرم بينهما في أيلول الماضي، والذي كان من المفترض أن يجنّب محافظة إدلب عملاً عسكرياً واسع النطاق من قبل النظام، إلا أنه فشل في ذلك على ما يبدو. وأجرى الطرفان سلسلة اتصالات بدأت مساء الإثنين بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي حمل النظام المسؤولية عن محاولة تقويض الاتفاق، واستكملت بمباحثات يوم الثلاثاء، بين وزيري الدفاع سيرغي شويغو وخلوصي آكار، ركزت على التدابير التي يجب اتخاذها لخفض التوتر بالمنطقة، وكذلك على القضايا الأمنية الإقليمية في إطار اتفاق سوتشي.

وكانت وكالة "الأناضول" نقلت عن رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية قوله إنّ "أردوغان وبوتين بحثا العلاقات الثنائية وآخر المستجدات في إدلب السورية، وأكدا التزامهما بتفاهم سوتشي". وأضاف أنّ الرئيس التركي أكّد أنّ انتهاكات النظام السوري لوقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد خلال الأسبوعين الأخيرين، وصلت إلى مرحلة مقلقة، وشدّد على أنه لا يمكن إيضاح استهداف قوات النظام للمدنيين والمدارس والمستشفيات وتدميرها بذريعة مكافحة الإرهاب. كما شدد أردوغان على أنّ النظام السوري يهدف إلى تخريب التعاون التركي الروسي في إدلب، والإضرار بروح مسار أستانة، مشيراً إلى أنّ التوتر في إدلب يهدّد تأسيس لجنة لصياغة دستور جديد لسورية، ومن شأنه إفشال العملية السياسية.

وتأتي المحاولات الروسية التركية في وقت استأنفت قوات النظام السوري، يوم الثلاثاء، عمليات القصف الجوي والمدفعي على ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، إذ شنّ طيران النظام السوري ستّ غارات على مدينة خان شيخون في ريف حماة الجنوبي، مستهدفاً العديد من طرقات المدينة، ما أدى لوقوع أضرار مادية. كما قصفت الطائرات المروحية بالبراميل المتفجرة قرية ترملا بريف إدلب الجنوبي، في وقت طاول القصف المدفعي العديد من المناطق في ريف حماة الشمالي، وخصوصاً على محور مدينة كفرزيتا، بعد يوم من قتال وُصف بـ"الضاري" عقب هجوم فصائل المعارضة على قوات النظام ومليشيات تتبعها في مناطق عدة.

سياسياً، طالب رئيس "الائتلاف السوري المعارض"، عبد الرحمن مصطفى، المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في الملف السوري، بوضع حدّ لخروقات القصف على إدلب، ومنع أي اجتياح شامل لها. وحذّر مصطفى في مقابلة مع وكالة "الأناضول" أمس، من التداعيات السلبية التي قد تطال دول العالم بأسره في حال أي محاولة لاجتياح المنطقة" من قبل النظام السوري وحلفائه.

وتُعدّ محافظة إدلب المعقل الأبرز لفصائل المعارضة المسلحة، خصوصاً بعد تهجير عدد كبير من مقاتلي ريف دمشق وجنوب سورية وريف حمص الشمالي إلى الشمال السوري. وكانت انضوت أغلب الفصائل تحت جناح "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم 11 فصيلاً، هي: "فيلق الشام"، "جيش إدلب الحر"، "الفرقة الساحلية الأولى"، "الفرقة الساحلية الثانية"، "الفرقة الأولى مشاة"، "الجيش الثاني"، "جيش النخبة"، "جيش النصر"، "لواء شهداء الإسلام في داريا"، "لواء الحرية" و"الفرقة 23". وإلى جانب هذه الفصائل، هناك "جيش العزة" الفصيل الأبرز في ريف حماة الشمالي الذي يُعتبر من أقوى فصائل "الجيش الحرّ" لجهة التدريب والتسليح، ويضمّ ضباطاً منشقين عن جيش النظام يتولون قيادته وتدريب عناصره.

ولجأت فصائل الجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة إلى تنفيذ كمائن لقوات النظام في ريف حماة الشمالي، حيث لا يكاد يمرّ يوم من دون تدمير آليات عسكرية لهذه القوات بمن فيها من عناصر، بصواريخ مضادة للدروع. وضغطت قوات النظام خلال الأيام الفائتة على محورين؛ الأول في ريف حماة الشمالي للسيطرة عليه إذ يضمّ مدناً تعدّ معقلاً بارزاً للمعارضة السورية المسلحة منها مورك وكفرزيتا واللطامنة، إلا أنّ هذه القوات تجد مقاومة من قبل فصائل المعارضة التي وضعت ثقلها في المعركة للحد من التراجع نتيجة اندفاعة مفاجئة من قبل قوات النظام ومليشيات محلية وطائفية تساندها، ولّدت مخاوف جدية على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي. أما المحور الثاني، ففي ريف اللاذقية الشمالي، حيث تسعى قوات النظام إلى فتح طريق باتجاه مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي وتهديدها، ولكنها تلقت رداً قاسياً من فصائل "الجيش السوري الحر"، خصوصاً في قرية الكبانة، حيث تكبدت خسائر فادحة في الأرواح.