العدد 1330 / 26-9-2018

أظن أن السنوات الثماني التي مرت علينا، نحن السوريين، كافيةٌ لنتوقف عن المجاملات والخواطر والضحك على اللحى. الشعب السوري المقيم في إدلب هو بلا شك، أكثرُ شعب مظلوم في العالم، فنظام الأسد غادرَ المدينة في أوائل سنة 2015، بأقل ما يمكن من المقاومة، تاركاً إياها لجبهة النصرة وجند الأقصى وأشباههما، ثم شرع يعمل، مع الفريق الإجرامي الدولي المؤلف من روسيا وإيران وتشكيلة المليشيات (الطائفية) الغازية، على تهجير أهالي المناطق الـ "ثائرة" إلى إدلب. هكذا، بكل وضوح، وصراحة، ففي كل عملية تهجير، أو مصالحة، يقول ممثلو الفريق الإجرامي الدولي للأهالي المغلوبين على أمرهم: تموتون جوعاً، أو قتلاً، أو ترحلون إلى إدلب.

كان من حق سكان إدلب الأصليين أن يرفضوا استقبال هؤلاء الإخوة المُهَجَّرين، ويخرجوا في مظاهراتٍ حاشدة للتعبير عن الرفض، ليس لأنهم بخلاء، أو ذوو قلوبٍ متحجّرة لا يتعاطفون مع مأساة أبناء وطنهم، ولكن خطة الفريق الإجرامي الدولي كانت واضحة، وهي تجميعهم في مكانٍ واحد، تمهيداً لإبادتهم مع السكان الأصليين. والحقيقة أن أهالي إدلب لم يرفضوا استقبالهم لأسباب عديدة، أولها يتعلق بطبيعة الشعب السوري الكريمة، الطيّبة، الحنونة، وثانيها أن مشروع جبهة النصرة وتشكيلة الفصائل المتحالفة معها إنما هو مشروعٌ استبدادي شرس، فقد بدأوا بإعدام خصومهم، بعد أن وصموهم بالتشبيح للنظام، ومنعوا رفع عَلَم الثورة، وأمروا بتنحية خطباء المساجد وتعيين خطباء مساجد نصراويين مكانهم، وأطلقوا مجموعةً من الهيئات المختصة بقمع الحريات، كسواعد الخير، والشرطة النسائية، والحسبة، التي تعمل على إذلال الناس (وخصوصا المرأة)، وكَمّ الأفواه، وشحط الناس إلى السجون.. الخلاصة أن سلطة الأمر الواقع هي التي اتخذت القرار باستقبال الناس المهجرين، دون استشارة الشعب الغلبانْ.

النقطة البارزة في مظاهرات الأسابيع الثلاثة الماضية أنها ذات طبيعة وجودية، فتشكيلة الأهالي المحليين والأهالي المُهَجَّرين بدأت ترى، عن كَثَب، سكاكين الفريق الإرهابي الدولي وهي تُسَنُّ بالقرب من أماكن نومهم ونوم أطفالهم، وقطعانَ الشبّيحة والمرتزقة وهي هائجة، تجوس في عيونها الشريرة شهوةُ الدم التي تصل إلى حدود الشبق.. فما كان منهم إلا أن انتفضوا، وتمرّدوا، ورفعوا أعلام الثورة عاليةً خفاقة، ولم يتركوا في الفضاء المتاح سوى مساحة صغيرة لأعلام تنظيم القاعدة التي كانت تتصدّر المشهد طيلة السنوات الثلاث الماضية.

سكت المجتمع الدولي عن المقتلة السورية سبع سنوات، بسبب تقديمه مصالحَه على الأخلاق والشعارات المتعلقة بحقوق الإنسان. وروسيا حريصة على استمرار الحلف الاستراتيجي الناشئ بينها وبين تركيا. وأوروبا ليست مستعدةً لاستقبال مليون لاجئ سوري في الوقت الحاضر، وهي متأكّدة من جدية التهديد التركي بتمريرهم نحوها. وأميركا وإسرائيل مصرّتان على إبعاد إيران من المنطقة. وأميركا بدأت بالتشاور مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا لتشكيل حلفٍ ضارب، وأخذت ترسل التهديدات بضرب النظام السوري، وزعزعة ما يظنه الروس استقراراً في "سورية المفيدة". هذه العوامل كلها أدت إلى توقيع الاتفاق الروسي التركي، ووقف الهجوم على إدلب، مؤقتاً.