العدد 1398 / 29-1-2020

من جديد تلوح في الأفق تصريحات تثبت استعداد "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية للإعلان عن صفقة القرن، التي تحمل بنودا عدة، من شأنها أن تسفر عن ضم الضفة الغربية للكيان الصهيوني، وتقويض حلم الدولة الفلسطينية المنتظرة.

ويرى محللون فلسطينيون أن السلطة الفلسطينية تستطيع اتخاذ إجراءات معينة للتصدي لصفقة القرن، وإعلان مواقف جديدة قد "تقلب الطاولة"، وهي تنسجم مع الموقف الشعبي الرافض للصفقة وتبعاتها، وربما أبرز ما يتم الحديث عنه هو إعلان السلطة وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.

ويقول المحلل السياسي محمد القيق إنه "لا توجد بيد السلطة سوى ورقتين سيكون مقتلها فيهما إذا لوحت بهما؛ وهما وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال والذهاب لوحدة وطنيةـ مبنية على أساس الانتخابات والديمقراطية والنزاهة في خندق واحد هو المقاومة؛ وأن غير ذلك سيكون عبارة عن شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع"، بحسب تعبيره.

ويؤكد أن السلطة لن تجرؤ على وقف التنسيق الأمني، نظرا لأنه مرهون باعتبارات دولية سياسية ومادية؛ وتحديدا البرنامج الأمني الأمريكي، وأن اللعب في هذه الورقة سيكون مفصليا وخطيرا إذا ما ذهبت إليه السلطة.

ويعتبر القيق أن" المحور الثاني وهو الرجوع إلى حالة الوحدة الوطنية وحفظ خيار المقاومة بكل أشكالها؛ ليس من السهل أن يتم اتخاذ هذا القرار من قبل السلطة بالوضع الراهن، لما تمر به من ركود سياسي وتشققات داخلية في حركة فتح وعدم وضوح أجندة للمسار القادم".

ويبين أنه إن لم تستخدم السلطة هاتين الورقتين المتلازمتين، فلن يكون هناك رادع للأمريكان والإسرائيليين من الاستمرار، بالمنهجية القاضية على حل الدولتين، والإبقاء على يهودية الدولة وضم الضفة وفكرة الوطن البديل.

وعلى صعيد آخر، يرى أن السلطة قد تستهلك بعضا من الأوراق الضعيفة وهي ضغوطات إقليمية على الولايات المتحدة، كما كان يحدث في العقود الماضية، فعلى سبيل المثال حين أعلن الاحتلال قبل سنوات عن مشروع إي 1 القاضي بضم مستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة على أراضي شرق القدس ما يقسم الضفة لقسمين؛ تم تأجيل القرار نتيجة ضغوطات إقليمية على الأمريكان والإسرائيليين.

ويضيف: "إعادة استخدام هذه الضغوطات لن يكون مجديا الآن نظرا لحالة الانفصام السياسي بين القيادات الإقليمية والشعوب، فحالة مصر ركيكة جدا والأردن مستهدف ولن يكون في نقطة قوة وكذلك هناك حالة التشرذم في لبنان وسوريا وحالة الانشداد الخليجي لقضية ليبيا وملف إيران، لتصبح المعادلة استفراد بمعنى الكلمة، وهذا لا يمكن لجمه إلا بما ذكرناه من ورقتين متلازمتين".

تكامل المواقف

ويؤكد المحللون أن الفلسطينيين يعولون كثيرا على موقفهم الشعبي الرافض للصفقة والذي يأملون أن يكون مدعوما بالموقف الرسمي المتناغم مع هذا الرفض بعيدا عن الاكتفاء بالتصريحات والشعارات.

ويعتبر منسق القوى الوطنية في الضفة المحتلة الناشط عصام بكر بأن الرد الشعبي على إعلان صفقة القرن والحراك الشعبي الواسع هو تعبير عن رفض الفلسطينيين لهذه الصفقة والتمسك بحقوقهم؛ والتي تتمثل بحق العودة إلى الأراضي المحتلة والاستقلال وتقرير المصير.

ويؤكد بأن المشاريع السابقة لم تستطع أن تجعل الشعب الفلسطيني يسقط حقوقه الوطنية؛ مبينا بأن الشعب بإمكانه أن يفشل الصفقة المشؤومة عن طريق وحدة الرد في الضفة وقطاع غزة والقدس والداخل المحتل والشتات؛ بشكل موحد وجماهيري واسع وعبر مسيرات عارمة من شأنها أن تعطي ردا قويا باتجاه مناهضة وعدم قبول التعاطي بأي حال مع صفقة تسقط المشروع الوطني وتجهض الأحلام الوطنية الفلسطينية.

أما عن الدور الرسمي المطلوب لمواجهة الصفقة وتحديدا من السلطة الفلسطينية، فيرى بكر أنه يجب أن يتكامل مع الموقف الشعبي، وألا يقتصر على مواقف وتصريحات خجولة.

ويوضح أن جميع أطر وهيئات ومكونات منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات السلطة الرسمية والحكومة يجب أن تعبر عن إرادة حقيقية وتبلور موقفها العملي بخطوات واضحة؛ ومن أبرزها تعزيز صمود الفلسطينيين على الأرض وإلغاء التصنيفات للمناطق (أ و ب و ج) والتحلل من اتفاقية أوسلو وتبعاتها.

ويتابع: "الإرادة السياسية القوية التي من الممكن أن تتخذها القيادة الفلسطينية من شأنها أن تعطي دافعية أكبر تجاه المواجهة؛ وأن تعطي رسالة واضحة بأن الشعب والقيادة في خندق واحد".

وحذر بكر من اقتصار الموقف الرسمي على مواقف خجولة لا ترتقي لمستوى إعلان الصفقة التي ستغير الواقع الفلسطيني؛ لأن من شأنه أن يضعف الحالة الجماهيرية الشعبية والرسمية، فالمطلوب من الكل أن يكون على مستوى التحدي؛ على حد قوله.

ويشير الناشط إلى أن خطوات عديدة سبقت خطوة الإعلان عن صفقة القرن مثل سياسة الضم للأراضي الفلسطينية وإعلان القدس عاصمة يهودية أبدية لدولة الاحتلال وتصفية دور الوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين "الأنروا" وتجفيف الدعم للسلطة الفلسطينية. ويعتبر بناء على ذلك بأن الصفقة لم تبدأ من اليوم بل هي موجودة على الأرض منذ سنوات والإعلان عنها لا يحمل جديدا إلا الإصرار على تقويض الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. ويقول إن "الاحتلال قام كذلك بعدة خطوات استباقية للإعلان عن صفقة القرن مثل بيع وهم السلام الاقتصادي المزعوم من خلال إنعاش بعض المشاريع وفتح أبواب التطبيع واسعة لتصبح "إسرائيل" دولة طبيعية في المنطقة"، مؤكدا أن تكامل الموقف الرافض للصفقة رسميا وشعبيا من شأنه أن يعطي فعالية أعلى لاستمرار الفعاليات الشعبية التي لا تقتصر على عدة أيام بل حتى إسقاط الصفقة.