العدد 1402 / 26-2-2020

تعدّ مدينة كفرنبل، التي دخلها النظام السوري، الثلاثاء، وذلك لأول مرة منذ دحره منها في آب عام 2012، من رموز الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد.

المدينة الواقعة في قلب جبل الزاوية على طريق حلب اللاذقية هي من أوائل المدن التي خرجت عن سيطرته في محافظة إدلب، إذ سيطرت عليها كتائب "الجيش السوري الحر" بعد خمسة أيام من القتال ضد قوات النظام و"الشبيحة".

أولى المظاهرات ضد النظام في المدينة كانت في الجمعة الأولى من نيسان عام 2011 واستمرت المظاهرات على الرغم من تعامل النظام الدموي معها، وبعد فشله في قمع المظاهرات السلمية، سيطر على المدينة بالدبابات والمجنزرات في تموز من العام ذاته، ونشر الحواجز التي مارست التضييق والانتهاكات بحق الأهالي.

ومع استمرار القتل والاعتقالات، قرّر عدد من أبناء المدينة حمل السلاح، ثم الإعلان عن تشكيل أولى الكتائب المسلحة في المدينة مطلع عام 2012، وكانت تعرف بكتيبة "فرسان الحق"، وضمت عدداً من الضباط المنشقين، وعدداً من أبناء كفرنبل. وفي أغسطس/ آب من العام ذاته كانت آخر أيام النظام في المدينة.

وبعد سنوات من سيطرة "الجيش السوري الحر"، وبعد خروج محافظة إدلب عن سيطرة النظام في عام 2015، تمددت "جبهة النصرة" لتفرد سيطرتها على المدينة، وأخيراً باتت تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" التي تديرها "النصرة" سابقاً.

اشتهرت مدينة كفرنبل، عبر سنوات الثورة، بلافتاتها المبتكرة ضد جميع المتورّطين بالدم السوري، ابتداء بالنظام، وليس انتهاء بـ"داعش"، و"النصرة"، وكانت تلك اللافتات رسائل إلى الداخل السوري والخارج أيضاً، إذ حملت رسائل للمجتمع الدولي وحلفاء المعارضة والنظام.

ومن أبرز تلك اللافتات التي كتبت في أثناء سيطرة النظام على المدينة: "يسقط النظام والمعارضة.. تسقط الأمة العربية.. يسقط مجلس الأمن.. يسقط العالم.. يسقط كل شيء. كفرنبل المحتلة 14 - 10 - 2011".

مثل تلك الشعارات نجح في لفت النظر إلى مدينة كفرنبل، ما جعلها أيقونة من أيقونات الثورة السورية، إذ كانت أيضاً ملجأ للفارين من النظام من عموم المناطق التي كان النظام يسيطر عليها في محافظة إدلب، وخاصة مدينة إدلب.

وجسدت اللافتات أيضاً شجاعة أهل المدينة، الذين وقفوا في وجه تنظيم "داعش" والفصائل التي تنتهج نهجه، وعلى الرغم من سيطرة "هيئة تحرير الشام" على المدينة، إلا أنها لم تتمكن من إخماد جذوة الثورة فيها، وبقيت اللافتات التي تحدّت "داعش" والنظام، تتحدّى الهيئة نفسها وتتحدّى قائدها أبو محمد الجولاني.

المدينة ضمت العديد من الناشطين من أهالي المدينة الأصليين ومن النازحين، ومن أبرز الناشطين: رائد فارس، وهو مهندس وكاتب اللافتات في المدينة، ومؤسس عدة منصات إعلامية، من بينها "راديو فريش". قتل فارس مع الناشط حمود جنيد برصاص مجهولين في يوم الجمعة 23 تشرين الثاني 2018، إثر خروجهما من مسجد في كفرنبل بعد الصلاة.

ولقي مقتل الناشطين صدى واسعاً لدى السوريين المعارضين للنظام السوري، كما نعاهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري.

أهمية عسكرية واستراتيجية

تعداد سكان المدينة قبل الثورة لم يتجاوز الخمسة وعشرين ألفاً، أما مع قدوم المهجرين والنازحين إليها فقد تحولت إلى مدينة مكتظة سكانياً، وفي ظل عدم وجود جهات رسمية تقوم بالإحصاء، لا توجد تقديرات أو إحصائيات دقيقة لعدد السكان، كما أن الحملة الأخيرة التي يشنها النظام على المدينة حولتها مؤخراً إلى مدينة شبه خاوية من السكان.

على مدار السنوات الماضية، ارتكبت قوات النظام والطيران الروسي عشرات المجازر في المدينة عبر استهداف الأسواق والأحياء والمرافق الحيوية، مثل المدارس والمستشفيات وحتى المساجد.

النظام عمل على السيطرة على المدينة لأهميتها الاستراتيجية، إذ تقع المدينة جنوب الطريق الدولي وهو الطريق الواصل بين حلب واللاذقية، ويعد طريق إمداد رئيسياً يصل الطريق المار بالقرب من مطار حميميم بالطريق الواصل بين حلب ودمشق.

والسيطرة على كفرنبل تمنح النظام فرصة التقدم شمالاً باتجاه مدينة أريحا الواقعة على الطريق الدولي حلب اللاذقية، ولأن كفرنبل قلب جبل الزاوية ذي التضاريس الصعبة، فالسيطرة عليها تعني السيطرة على كامل الجبل، ما يسهل من مهمة النظام في حصار مدينة إدلب وفصلها عن ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي.