العدد 1496 /19-1-2022

جُوبهت محاولة النظام السوري الاقتراب مجدداً من محافظة الرقة من بوابة ما يسمّيه بـ"التسوية"، برفض شعبي وعشائري، عبّر عنه الأهالي بتظاهرات وبيانات أكدت أن المصالحة مع النظام تعد "مهانة وخيانة"، ما يؤكد صعوبة نجاح محاولة النظام تكرار سيناريو محافظة دير الزور.

وأعلن شيوخ ووجهاء عشائر في محافظة الرقة رفضهم عمليات التسوية التي يجريها النظام لمطلوبين لأجهزته الأمنية أو منشقين عن قواته.

كما أكد الوجهاء عبر بيانات وتصريحات إعلامية تبرؤهم من أي شخص يجري تسوية مع النظام الذي يهدف إلى ضرب الاستقرار في المحافظة، التي يقع جلها تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) منذ عام 2017.

وحاول النظام التقليل من شأن موقف شيوخ العشائر في الرقة إزاء التسويات التي بدأها، ونقلت صحيفة "الوطن"، أمس الأحد، عن عبد الرزاق الخليفة، وهو محافظ معيّن من النظام على الرقة، قوله "إن البيان الذي جرى تداوله ونسب لزعماء وشيوخ عشائر وتضمّن رفضهم لعمليات التسوية، غير مغطى من شيوخ العشائر، وهو لا يمثلهم، وأن موقفهم معاكس لما ورد فيه".

كما ادّعى أنه "لولا المعوقات التي تستخدمها مليشيات قسد، لرأينا آلاف الناس الوافدين من أجل إجراء التسويات".

وكان النظام السوري قد نقل يوم الأربعاء الماضي، عملية التسوية من محافظة دير الزور إلى محافظة الرقة، في محاولة جديدة لتصدير صورة للرأي العام مغايرة للواقع، وللظهور بمظهر المنتصر الذي يسامح معارضيه.

وبثت وسائل إعلام النظام مقاطع فيديو لإظهار الإقبال على مراكز التسوية، بينما أكدت مصادر محلية أن النظام أجبر سكان المناطق الخاضعة لسيطرته والخالية من معارضين أو منشقين على التوجه إلى مراكز التسويات لتصوير هذه المقاطع لخداع الرأي العام.

كما أكدت أن الإقبال "ضعيف" على المركز الرئيسي الذي أقامته قوات النظام للتسوية في بلدة السبخة في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، مشيرة إلى أن النظام "كان يعوّل على قدوم عدد كبير من مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية إلى السبخة، إلا أن ذلك لم يحدث".

وتسيطر قوات النظام وأجهزته الأمنية على جانب من ريف الرقة الجنوبي الشرقي، جنوبي نهر الفرات، وتحديداً بلدتي السبخة ومعدان وقرى في محيطهما. كما تسيطر على بادية هذه المحافظة التي تضم قرى متناثرة، نزح معظم أهلها إلى مناطق سيطرة "قسد"، إضافة إلى بضع قرى في ريف المحافظة الغربي، أبرزها قريتا دبسي فرج ودبسي عفنان.

في المقابل، تسيطر "قسد" على معظم المحافظة، بما فيها أبرز مدينتين فيها، وهما الرقة والطبقة، المدينة الاستراتيجية التي تضم سد الفرات، وهو أكبر السدود في سورية والذي ينتج القسم الأكبر من الطاقة الكهربائية في البلاد.

وخرجت تظاهرات حاشدة في مدينتي الرقة والطبقة خلال الأيام الماضية لرفض عملية التسوية مع النظام، وحمل المتظاهرون لافتات تعبّر عن رفض الأهالي لأي شكل من أشكال عودة النظام إلى المحافظة.

وأكد المتظاهرون رفضهم للمصالحة "حتى يصالح الشهداء"، معتبرين التسوية مع النظام "مهانة وخيانة". وحملت تظاهرات مدينة الرقة يوم الجمعة الماضي شعار "لا تصالح"، في مؤشر على رفض أي محاولة من النظام التغلغل في المحافظة.

وكانت أكثر التظاهرات حشداً في مدينة الطبقة (غربي الرقة بنحو 50 كيلومتراً)، وأكد المتظاهرون، الذين قدروا بالآلاف، أن هدف النظام "إحداث بلبلة وخلق فجوة بين أهالي المنطقة"، من خلال الترويج بهذه التسويات، مشيرين إلى أنه "ليس لدى النظام ما يقدمه للمنطقة سوى القتل والاعتقال وتغييب المعارضين في سجونه".

بدوره، اعتبر الناشط الإعلامي أحمد الابراهيم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المتظاهرين في مدينة الطبقة "أعادوا إلى الأذهان الشعارات الأولى للثورة السورية"، مضيفاً: كانت رسالة واضحة على رفض عموم الناس لأي تسوية مع النظام السوري.

وصدرت بيانات من وجهاء عشائريين في التظاهرات تؤكد أنه "لا مشكلة مع الإدارة الذاتية التي تحكم المنطقة"، مؤكدة رفضها محاولات النظام إحداث انقسام في محافظة الرقة لضرب استقرارها الأمني.

ولطالما حاول النظام الضغط على "قسد" لتسليمه محافظة الرقة الغنية بالموارد والثروات، إلا أن الرفض الشعبي لذلك حال دون ذلك. وكانت هذه القوات اضطرت أواخر عام 2019 إلى إبرام اتفاق "عسكري" مع الجانب الروسي لإيقاف العملية العسكرية التركية واسعة النطاق ضدها.

وسمح الاتفاق لقوات النظام بإنشاء قاعدة لها في بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، إلا أن هذه القوات ما تزال المتحكمة بالقرار في المحافظة.

وتضم محافظة الرقة عشرات آلاف النازحين من مختلف المحافظات السورية، خصوصاً من محافظة دير الزور التي نزح عدد كبير من أهلها إلى مناطق سيطرة "قسد" خشية من عمليات انتقامية من قوات النظام وأجهزته الأمنية.

الباحث السياسي سعد الشارع قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "روسيا هي المحرك الرئيسي لعمليات التسوية في محافظتي دير الزور والرقة"، مضيفاً: الروس يريدون زيادة حضورهم في المنطقة على حساب الحضور الإيراني.

وأشار إلى أن موسكو "تريد تجنيد شبان المنطقة لخدمة أهدافها، للحد من محاولات إيران تشكيل مليشيات محلية تابعة لها"، مضيفاً أن الرقة تقع في قلب الصراع حول منطقة شرقي الفرات.

وبيّن أن "الجيش الوطني" التابع للمعارضة "يسيطر على جانب من ريف الرقة الشمالي في منطقة تل أبيض"، في مقابل "نقاط ارتكاز روسية وأخرى للنظام في عدة مناطق داخل المحافظة".

ويعتقد الشارع أن مآلات عملية التسوية في محافظة الرقة "ستكون مشابهة لما حدث في محافظة دير الزور، أي رفض شعبي كامل لهذه المصالحة، وقد شهدنا التظاهرات في الطبقة التي أعلن من خلالها السكان رفضهم التام للتسوية مع النظام. هذه العملية التي بدأها النظام مآلها الفشل بكل تأكيد".

أمين العاصي