العدد 1696 /31-12-2025

فاطمة ياسين

ينصّ البند الثامن (الأخير) في اتفاق 10 مارس (2025) بين الرئيس السوري المؤقّت، أحمد الشرع، وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، على أن اللجان التنفيذية للاتفاق يجب أن "تسعى" إلى إنجازه قبل نهاية العام الحالي 2025... لم نلحظ عملاً واضحاً من تلك اللجان في الفترة الماضية، ولم يتبقَّ على نهاية العام إلا أيام قليلة، ولا يبدو أن اللجان المذكورة قد أنجزت كثيراً. وإذا أخذنا في الاعتبار حادثة المواجهة النارّية قبل أيام في حلب بين القوات الحكومية و"قسد"، فإن عمل اللجان يمكن أن يزداد تعقيداً، لا سيّما أن الحادث المذكور تكرّر مرّاتٍ منذ توقيع الاتفاق. ومع اقتراب نهاية العام، تتوارد أخبار عن نيّة إنجاز الاتفاق، وتُظهر لقطات مصوّرة عبدي يتحدّث بنَفَسٍ تصالحي، مع إيحاء بأن الاندماج لن يُنجز في مطلع السنة. أمّا ردود الحكومة فأبدت تشكيكاً في موقفه، وطالبت بمزيد من الوضوح.

يدرك عبدي أن الوقت ليس في صالحه. وقد اعتبر أن الأشهر التسعة المنقضية أقرب إلى مهلةٍ يعود فيها إلى مراجعة الاتفاق وفرض تفاصيل تُثبّت قيادة فريقه منطقة الجزيرة السورية. وفي المقابل، استثمرت سلطة دمشق هذه المهلة بمزيد من تثبيت أقدامها محلّياً، وإنجاز مسائل عدة دولياً، وصولاً إلى إلغاء نهائي لعقوبات قيصر، مع الحصول على مباركة أميركية واضحة. والأهم من ذلك تنظيم وزارة الدفاع، وهيكلة جديدة للقوات المسلّحة، والحصول على دعم كبير من جهات إقليمية ودولية. لا يعني هذا أن دمشق تُحضّر لمعركة أو هجوم من نمط "ردع العدوان"؛ فهي تعمل ليكون دمج "قسد" ناعماً إلى أقصى درجة، واستيعابها كلّياً وطنياً داخل الدولة السورية، مع الاحتفاظ بالورقة العسكرية عاملاً احتياطياً يمكن التلويح به أو استخدامه عند الحاجة. وتدرك "قسد" أن الحلّ العسكري لن يكون في صالحها، وأنها قد تحصل عبر الاتفاق المعقود على أكثر ممّا قد تحصل عليه بعد معركة عسكرية قد تكون نتيجتها محسومةً سلفاً لصالح الحكومة المركزية.

حرصت دمشق منذ 15 مارس/ آذار 2025 على الحفاظ على هدوئها، وتتعامل بقدر كبير من الجدّية مع قضية شرق الفرات. وتحت هذه العناوين التقى عبدي الشرع مرّات، وكان المندوب الأميركي حاضراً في معظم هذه اللقاءات. ولم يُخفِ بعض قادة "قسد" من الصف الأول امتعاضهم من الاتفاق؛ فأعلن بعضهم رفضاً صريحاً له، وأظهر بعضهم الآخر قدراً من التحدّي والتلويح بقبضة عسكرية. وقد تكون الاختراقات النارّية الماضية التي حصلت في حلب وحصدت أرواحاً، بعضها من المدنيين، تجسيداً لذلك، تزامناً مع قرب انتهاء المهلة الممنوحة لإنجاز الاتفاق. ما فرض أجواءً من التشاؤم في الأفق، لتأتي بعدها تصريحات التهدئة وشائعات إنجاز الاتفاق وتخلق حالةً من الحيرة ومزيداً من الترقّب لما بعد نهاية العام.

دمشق مصمّمة على فرض سيطرتها السياسية والوطنية على كامل التراب السوري. ورغم أنها لا تبدي تعجّلاً، وتُظهر قدراً كبيراً من الهدوء والانضباط، فإن هدفها وُضّح حين أعرب الشرع في أكثر من مناسبة عن نيّته مدّ سلطة دمشق حتى آخر نقطة في التراب السوري. أمّا "قسد" فمنذ تأسيسها اعتادت، في السنوات العشر الماضية التي تعاملت فيها مع الأسد، معاملة الندّ للندّ. وكانت خلالها قد أنجزت تحالفاً مع الولايات المتحدة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، نجحت فيه بدعم واضح من التحالف الدولي. لكن الظرف تغيّر على نحو حادّ، وربّما تفضّل الولايات المتحدة التحالف مع حكومة مركزية قوية ضدّ "داعش"، وفي الغالب ستؤيّد تركيا هذا الخيار، ما يقوّيه ويجعله أولوية، ويهدّد الحلف بين "قسد" والولايات المتحدة، الذي يفقد صلاحيته، بعدما أصبح لدى أميركا خيارات أخرى أكثر جدوى وفاعلية، وقد جرّبت واشنطن تعاوناً في بعض العمليات المشتركة مع الحكومة كانت نتائجه مُرضية، وقد تُتَّخذ نموذجاً في المستقبل، بما يهدّد مبرّرات (ومن ثم وجود) "قسد" في قيادة الشمال الشرقي.