محمد أحمد حمود

مئة وخمسون غارة في يوم واحد على حلب، رقم وحده كافٍ ليثبت أن الروس والنظام أخذوا الضوء الاخضر من كل دول العالم. حيث بات واضحاً أن العالم يريد حماية نظام الأسد، باستثناء بعض الدول الإسلامية التي هي أقل من أصابع اليد الواحدة، فالهدف من تدمير المشافي والأسواق والمخابز وقتل أكبر عدد من المدنيين هو قطع شرايين الحياة في حلب المحررة، وهذه رغبة روسية - أمريكية لحصار الثوار وتهجير مئات الآلاف من المدنيين من مناطق حلب المحررة أي تهجير حاضنة الثوار الشعبية. 
ويبقى السؤال: لماذا الحفاظ على نظام انتهت صلاحيته من أول يوم خرجت فيه جموع الشعب السوري تطالب بإسقاطه وإنهائه، فدخلت ايران على خط النجدة وجمعت ميليشياتها من كل بقاع الأرض، دون تحقيق أي إنجاز سوى الحفاظ على وجود النظام ولو شكلياً؟
نستشف من مجريات الأحداث المتلاحقة أن خريطة التقسيم ماضية بالتشكّل، فروسيا تريد استعمار «سوريا المفيدة»  الغنية بالثروات، والممتدة من دمشق العاصمة وأحيائها إلى حمص وطرطوس واللاذقية، تشاركها فيها قوات النظام، لأن المصلحة الروسية تكمن في المناطق التي تكتنز الثروة من النفط والغاز، لذا فقد بدأت روسيا بإنشاء محطات كهرباء في الساحل، وبحفر آبار من أجل التنقيب عن الغاز، فضلاً عن أن المعلومات المتوافرة  من الثوار للإعلام تتحدث عن أن  «حزب الله» بدأ بتسليم حواجزه في القلمون الغربي والانسحاب من المنطقة القريبة من يبرود والنبك ودير عطية المليئة بآبار الغاز، التي تشكّل جزءاً من «سوريا المفيدة» الروسية لمصلحة قوات النظام، فيما يُعزز وجوده في مناطق محافظة ريف دمشق التي لا  تشكل جزءاً من «سوريا المفيدة»، بحيث بدأ النظام ينسحب من حواجزه في مناطق حول مضايا والزبداني لمصلحة «الحزب».
وتستخدم في هذه الحرب كل الأسلحة الممكنة، من تجويع وحصار الى الحديد والنار، حيث إن الطيران الروسي في قصفه لأحياء المدينة يستخدم مجموعة جديدة من الذخائر والأسلحة المحرمة دولياً، منها القنابل الارتجاجية التي تحدث هزات أرضية موضعية وهي مخصصة لتدمير الملاجئ، كما ينقل ناشطون صوراً للدمار الهائل التي تحدثه تلك القذائف.
ويتم تشكيل سور أو حزام أمني يحمي دولة «إسرائيل» المحتلة وخاصة في الجنوب السوري، فعلى الرغم من أن قوى المعارضة في الجنوب تنشغل بمواجهة النظام ولم يحدث أن أقدمت على أي تحرك ضد إسرائيل، إلا أن «لواء الأبحاث» التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، الذي يحتكر تقديم التقديرات الاستراتيجية لدوائر صنع القرار في تل أبيب، يجزم بأن إحكام «الجهاديين» ويقصد الثوار سيطرتهم على سوريا، وتحديداً في منطقة الجنوب سيغير البيئة الاستراتيجية لإسرائيل بشكل جذري، على اعتبار أنه يفتح المجال أمام تحول هذه المنطقة إلى قواعد انطلاق لاستهداف المستوطنات الصهيونية في الجولان المحتل والجليل.
فما يحدث يؤشّر ليس فقط إلى قيام منطقة آمنة جديدة لإسرائيل تضاف إلى حدود الجولان باتجاه عمق الأراضي السورية، وتمتد  من الجنوب حتى حدود القنيطرة  بعمق عشرة كيلومترات كمنطقة خالية من أي وجود عسكري، بل أيضاً يجري الحديث عن كيان  في المنطقة الواقعة من القنيطرة باتجاه مزارع شبعا بحيرة القرعون، وهو كيان لن تسمح إسرائيل بأن يكون منطلقاً لتهديد أمنها أو أن يكون معادياً لها. وليست الضربات التي توجهها لأي وجود عسكري أو مخازن أسلحة أو اشتباه بوجود صواريخ سوى مؤشر على الخطوط الحمر التي ترسمها.
خلاصة القول، اعتبارات المصلحة الإسرائيلية تلعب دوراً مهماً في تثبيت الواقع السياسي والعسكري في سوريا.}